الاستعاذة:
لدينا ثلاث كلمات: أعوذ، والشيطان، والرجيم.
وسوف يرد معنا لفظ "الله" وما أعظم لفظ "الله"! وما أجل الله! وما أكبر الله!
يقولون: إن سيبويه النحوي الفاره العبقري، الذي ألف الكتاب في النحو من خيوط الحرير، خيوط الهوى، أتى إلى أمة عربية فمنحه الله عقلاً مدركاً، فألف الكتاب، وهذا الكتاب يقولون عنه: من قرأه وفهمه فهو عالم.
ويقولون: لما توفي رآه العلماء في المنام قالوا: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي.
قالوا: بماذا؟
قال: لأني كتبت في باب المعرفة: الله أعرف المعارف؛ فغفر الله لي.
أتى سيبويه إلى الكتاب، وانظر إلى الإيمان والحب والطموح، فهو أتى يؤلف وليس كبعض الناس إذا أتى يؤلف قصيدة نسي الله، وانخلع تماماً من الإسلام، وأصبح كأنه قطعة وثن، أو كأنه زنديق عميل ضد الإسلام وهو في بلاد الإسلام، يطعن الدين بقصيدة، ويتكلم في رب السماوات والأرض قال تعالى: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً} [مريم:93 - 95].
والآن الذي يقرأ كتاب الأعلام للزركلي ويرى الشخصيات هؤلاء وكيف ماتوا، ويرى ما تركوا من تراث، وتقرأ لبعضهم قصائد إلحادية، وتتفكر في أصحابها وقد ذهبوا إلى علام الغيوب، قال تعالى: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ} [الأنعام:94].
فالمقصود أن سيبويه لما رأوه في المنام قالوا: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي.
قالوا: بماذا؟
قال: قلت في باب المعرفة "الله أعرف المعارف".
فهو لم يقل: الله لفظ الجلالة مشتق من أله يألهه إذا تحير أو أحب، فقال: الله أعرف المعارف.
فالله تعرف إلى الناس بنعمه، حتى يقول بعض الفلاسفة: يستدل بوجود الله عز وجل على وجود الكائنات، ولا يستدل بالكائنات على وجود الله.
وهذا أمر ليس بصحيح، ولكن لمبالغته في الإثبات قال هذا الكلام، فيستدل بآياته ومخلوقاته على وجوده سُبحَانَهُ وَتَعَالى، وعلى ملكه وصنعته وحكمته ولطفه وجماله وجلاله.
قل للطبيب تخطفته يد الردى من يا طبيب بطبه أرداكا
قل للمريض نجا وعوفي بعدما عجزت فنون الطب من عافاكا
والنحل قل للنحل يا طير البوادي من الذي بالشهد قد حلاكا
وإذا ترى الثعبان ينفث سمه فاسأله من ذا بالسموم حشاكا
واسأله كيف تعيش يا ثعبان أو تحيا وهذا السم يملأ فاكا
يعيش بقدرة الله
فالحمد لله الكريم لذاته حمداً وليس لواحد إلاكا
وأبو نواس شاعر الخمريات، ذهب وأمره إلى الله في يوم العرض الأكبر، قال تعالى: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الأنعام:94] والله يزن الناس بالحسنات والسيئات، قال تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} [الأحقاف:16].
أبو نواس هذا توفي؛ فرئي -كما يقول ابن كثير - في المنام قالوا: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي بقصيدتي في النرجسة.
النرجسة: زهرة وصفها وردها إلى قدرة الباري تبارك وتعالى.
ولذلك يقول سيد قطب: لا يلزم الأديب والشاعر والقصصي أن يمدح الإسلام دائماً، لا.
ولكن صف الليل ورده إلى الواحد الأحد، صف الزهرة والبستان والحديقة، والماء النمير، والجدول الغدير، ولكن ردها إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى.
صف النجوم والخمائل، صف الفيافي والصحراء، صف البيداء، تكلم في كل شيء، لكن كن مؤمناً، ولا تتخلى عن إيمانك.
فماذا؟ ماذا قال في النرجسة؟ يقول أبو نواس:
تأمل في نبات الأرض وانظر إلى آثار ما صنع المليك
عيون من لجين شاخصات بأحداق هي الذهب السبيك
على قضب الزبرجد شاهدات بأن الله ليس له شريك
وهذا من أحسن ما قيل!