ومن المستهزئين النضر بن الحارث العبدري، من بني عبد الدار، كان إذا جلس الرسول صلى الله عليه وسلم مجلساً للناس يحدثهم ويذكرهم ما أصاب من قبلهم، قال النضر: هلموا يا معشر قريش، فإني أحسن مثل هذا الحديث، فقام يحدثهم عن فارس، وعن الروم، وعن أساطير وأخبار عجائز الجاهلية فيتضاحكون.
يحدثهم الرسول صلى الله عليه وسلم عن فرعون وعاد وثمود، فيأخذ هو كرسياً ويجلس بجانب الرسول صلى الله عليه وسلم، فيحدثهم عن عجائز الجاهلية، فلانة، وفلانة، فيضحكون استهزاء.
ينقل في السير: [[أن عمر دخل المسجد فوجد قاصاً من المسلمين -لكنه مغفل- أخذ كتاب دانيال، فأخذ يقص على الناس في المسجد، وعمر داخلٌ من الباب، قال عمر: ما هذا؟ قالوا: قاص، قال: وما قاص؟ قالوا: يقص علينا من أخبار دانيال، أخبار مثل: تودد الجارية، مثل: داحس والغبراء، مثل: المهلهل، ومثل: الزير سالم، ومثل هؤلاء الذين هلكوا في الجاهلية، قال عمر: خير، ثم ذهب، وأتى بعصا ودخل عليه، وهو عند الكرسي، فأتى؛ فأمسكه وضربه على رأسه.
قال: يا عدو الله! يقول الله عز وجل: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} [يوسف:3] وأنت تقص علينا قصص دانيال، أي: هل أصبحت أفضل من قصص القرآن؟! هل هي أحسن من قصة يوسف، وقصص الصالحين، وقصص الهالكين؟ أي: كأن الأمة تعيش فراغاً فكرياً، مثلما نعيش الآن، نحن نعيش خواءً عقدياً، أي: تجد الأمة محتاجة لقال الله وقال الرسول، وتجد المسلسل يأخذ ساعة ونصف أو ساعتين في كلام فارغ (افتح يا سمسم).
أي: ضياع للأمة، وضياع للضمائر، الأغاني أربع ساعات، ونحن بحاجة إلى حدثنا، ورواه البخاري ورواه مسلم، ولذلك انظر واقع العالم الإسلامي، الطباشير مستوردة، أمة تأكل وتشرب وتنام وترقص، تخرج اللاعب والمغني والموسيقار، هذه جودتنا أمام العالم، وهذا بسبب الترف الفكري والضياع الذي ما شهده عمر رضي الله عنه، يسمى الخواء العقدي، فإذا فرغت الأمة تصبح هكذا.
يقولون: إذا لم يتشاغل الإنسان بالكتاب والسنة يصبح فارغاً، حتى تجد -الآن- أناساً في الأربعين والخمسين، بل منهم من بلغ الستين، ينطلق بعد التراويح إلى المقهى يلعب البلوت إلى الساعة الثانية ليلاً، لا يقرأ قرآناً، ولا يستمع حديثاً، ولا يقرأ من ثقافة الأمة، أو من ثقافة تنفعه في الدنيا والآخرة، ولا يتقرب إلى الله إنما يلعب البلوت إلى الثانية ليلاً أو إلى السحور، وهذا موجود لا ينكره إلا مكابر، وشريحة في المجتمع تفعل ذلك؛ لأن هناك خواء عقدياً، لم يحمل الكثير {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} فنحن نشكو حالنا إلى الله.
يقول سبحانه في هؤلاء الكذبة: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} [لقمان:6] القرآن شيء، ولهو الحديث شيء آخر، لهو الحديث ضياع للمجالس: {لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [لقمان:6] قصده الصد عن منهج الله، تجد بعضهم يرتاح لسماع الأغنية ولا يرتاح لسماع القرآن، ولا يريد أن تحدثه ولا تعظه، بل إذا حدثت في المجلس، قال: عندنا خير، واستفدنا والحمد لله، واتركونا من هذه الأحاديث اتركونا نتكلم في حديث آخر، هذا من الذين يصدون عن سبيل الله: {وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ * وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [لقمان:6 - 7].