أما العاص بن وائل المجرم، أتى من الحرم معه عظام في جيبه -انظر الإجرام والسخرية بالرسول صلى الله عليه وسلم كل إنسان يأتي بمصيبة- فلما استمعوا وجلسوا، أخرج العظام وهي باليه، فقال: يا محمد! قال: نعم.
قال: أتزعم أن ربك يحيي هذه، قال: {نعم، يحييها ويدخلك النار} لا يحييها فقط، لكن يحييها ويدخلك النار، فأتى جواب القرآن، نزل جبريل والرسول صلى الله عليه وسلم جالس، أمامه العاص بن وائل، قال: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [يس:78 - 79].
والآن تأتي الاعتراضات على الرسول صلى الله عليه وسلم، اسمع إلى قول الله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ} [البقرة:170] الرسول صلى الله عليه وسلم يخرج عليهم، ليلة أربعة عشر، وهي ليلة اكتمال البدر، يصبح القمر في كبد السماء جميلاً وبديعاً ويقول: {أيها الناس! قولوا: لا إله إلا الله} لم يأمرهم صلى الله عليه وسلم أولاً بالصلاة، ولا بالزكاة، ولا بالصيام، ولا بتقصير الثياب، ولا بإعفاء اللحى، إنما يقول: قولوا لا إله إلا الله، حتى لما اجتمعوا مرة، قال: أريد منكم كلمة، قال أبو جهل: نعطيك عشراً، فما هي كلمتك؟
قال: قولوا: لا إله إلا الله، قال: أما هذه فلا؛ لأنها ما دخلت أمزجتهم: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص:5].
فلما دخل صلى الله عليه وسلم الحرم، كانوا بعد صلاة العشاء والبدر في كبد السماء، قال: {قولوا: لا إله إلا الله} قال أبو جهل: ما دليلك على أنك رسول؟ قال: ما أردت، قال: وأقسم باللات والعزى لا أومن لك حتى تشق لي هذا القمر، قال صلى الله عليه وسلم: لئن شققته أتؤمن لي؟ قال: نعم.
فرفع صلى الله عليه وسلم يديه، وسأل الله أن يشق القمر، فشق الله القمر، فلقة ذهبت تجاه عرفة، والفلقة الأخرى ذهبت تجاه جبل أبي قبيس، فقام أبو جهل ينفض ثيابه، ويقول: سحرنا محمد، سحرنا محمد؛ فأنزل الله: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ * وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ} [القمر:1 - 3].