بعد أن انتهت المعركة, اجتمعت قريش في دار عبد الله بن جدعان التميمي وهو من قريش, وعبد الله بن جدعان أمره عجيب، كان فقيراً, ولم يدرك الإسلام, كان فقيراً لا يملك شيئاً, ذهب إلى عرفة يرعى غنماً له, فوجد كنوزاً من الذهب والفضة, فادخرها وكان يطعم العرب من أجل أن يقال: كريم, وقد قيل في صحيح مسلم: أن الرسول صلى الله عليه وسلم سألته عائشة تقول: {يا رسول الله! عبد الله بن جدعان كان يطعم الجائع، ويقري الضيف، ويعين على نوائب الحق، هل ينفعه ذلك عند الله؟ فقال عليه الصلاة والسلام: لا يا عائشة إنه لم يقل يوماً من الدهر: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين} ما مرت به لحظة قال فيها: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين, ومات كافراً, ولما قتل أبو جهل في بدر كان رأسه مقطوعاً وما عرفوا جثته, قال صلى الله عليه وسلم: {التمسوا جثته -بقية الجسم- قالوا: يا رسول الله! هل له علامة؟ قال: نعم.
جرح في ركبة أبي جهل تصارعت أنا وإياه ونحن شباب على مائدة عبد الله بن جدعان فصرعته على الأرض، ففيه جرح} وكان قريباً من سنه صلى الله عليه وسلم، لكن انظر! هذا كان محرر العالم، وذاك كان فرعون هذه الأمة, فأتوا به فوجدوا الجرح في ركبته.
هذا عبد الله بن جدعان مدحته العرب بأحسن المدائح, ويقول فيه أمية بن أبي الصلت:
أأذكر حاجتي أم قد كفاني حباؤك إن شيمتك الحباء
إذا أثنى عليك المرء يوماً كفاه من تعرضه الثناء
فاجتمعوا في بيت عبد الله بن جدعان التميمي، وكان صلى الله عليه وسلم قد حضر معهم الاجتماع, وهذا من أحسن الاجتماعات في الجاهلية, وكان المتحالفون هم: بنو هاشم، وبنو المطلب بن عبد مناف، وبنو أسد بن عبد العزى، وبنو زهرة بن كلاب، وبنو تيم بن مرة, تحالفوا وتعاقدوا على ألا يجدوا بـ مكة مظلوماً إلا رفعوا الظلم عنه, والسبب في ذلك: أن تاجراً من تجار اليمن أتى فاستلب تجارته أهل مكة وسرقها رجل منهم، فأتى إلى الناس، قال: من يجيرني يا أيها الناس؟ فما أجاروه, قال: سلبت تجارتي من يعطيني الدين؟ فرفضوا أن يعطوه, فقام عبد الله بن جدعان ومن معه، وقالوا: نحن نجيرك، ثم اجتمعوا في حلف الفضول في بيت عبد الله بن جدعان , وكتبوا بينهم عهداً أنَّ من وجدوه مظلوماً أن يرفعوا عنه الظلم وأن يردوا مظلمته، وكان هذا من أحسن العقود التي شهدها صلى الله عليه وسلم, قال: {لقد شهدت مع عمومتي حلفاً في دار عبد الله بن جدعان ما أحب أن لي به حمر النعم، ولو دعيت به في الإسلام لأجبت} يقول: تلك الليلة التي حضرت فيها، وحضرت هذا الميثاق، ما أريد أن لي بذلك حمر النعم, وهذا يسمى حلف الفضول عند العرب, وذلك لأنه صلى الله عليه وسلم مبعوث بمكارم الأخلاق، وهذا منها، وقد أقر دين الإسلام كثيراً منها, وأما قوله صلى الله عليه وسلم: {بعثت بمكارم الأخلاق} فحديث فيه نظر, وفي سنده كلام.