هذا أول سفر يخرج فيه صلى الله عليه وسلم من مكة إلى خارج مكة , ولما بلغ سنه اثنتي عشر سنة أراد عمه وكفيله السفر بتجارة إلى الشام فاستعظم الرسول صلى الله عليه وسلم فراقه, فرقَّ له وأخذه معه, يقول: دمعت عينا الرسول صلى الله عليه وسلم لما أراد أبو طالب أن يسافر، لأنه ما زال طفلاً وليس له من يرق عليه من مكة إلا أبو طالب , وخاف أن يفقده, وهناك قصيدة ل أبي ريشة منها:
يا عم لا تدعني هنا وحدي مالي سواك من مفضال
فتلقاه بالدموع وسارت بهم الخيل في شعاب التلال
فأخذه معه في هذه الرحلة وهي الأولى, ولم يمكثوا فيها إلا قليلاً، وقد أشرف على رجال القافلة وهم بقرب بصرى، وهي قرية في الشام وقيل: في أطراف العراق , وبحيرا الراهب نصراني له صومعة, فسألهم عما رآه في كتبهم -وهذه القصة نبَّه الذهبي على أن بلالاً لم يكن في القافلة؛ لأن بعض أصحاب السير يقولون: كان بلال مع الرسول صلى الله عليه وسلم, والصحيح أنه لم يكن معه, لأن بلالاً آنذاك ربما لم يكن قد قدم من الحبشة - فسألهم عما رآه في كتبهم المقدسة, من بعثة نبي من العرب في هذا الزمن, لأنهم كانوا يقرءون في التوراة والإنجيل خبره عليه الصلاة والسلام, فقالوا: إنه لم يظهر الآن, وهذه العبارة كثيراً ما كان يلهج بها أهل الكتاب من يهود ونصارى قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة:89] وكان اليهود يخبرون بصفات الرسول عليه الصلاة والسلام, وأنه أحمر أو أبيض مشوب بحمرة، أقنى الأنف، ربعة من الرجال، وأنه سوف يخرج إلى أرض ذات حرتين, يقصدون المدينة , فلما خرج صلى الله عليه وسلم ورأوا أوصافه كانوا يتوقعون، وكان يتمنون أن يكون من اليهود, فلما كان من العرب حسدوه, لأن أكثر الأنبياء من اليهود, حسدوه عليه الصلاة والسلام وكذَّبوه, وما أسلم منهم إلا أربعة أو خمسة، والبقية كفروا حسداً وبغياً من عند أنفسهم.