ثم قال البخاري رحمه الله: باب لا يسب الرجل والديه، قال يسوق السند: حدثنا أحمد بن يونس، قال: حدثنا إبراهيم بن سعد.
إبراهيم بن سعد هذا من ذرية عبد الرحمن بن عوف الزهري رضي الله عنه وأرضاه، أحد العشرة المبشرين بالجنة، وقد رآه الإمام أحمد، وما كان الإمام أحمد يقوم لأحد، يأتيه كبار بني العباس؛ فلا يقوم، فلما أتاه هذا قام، قال له الناس: مالك يا أبا عبد الله قمت؟ قال: ألا أقوم لابن عبد الرحمن بن عوف.
عن حميد بن عبد الرحمن -هذا جده- عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه؟ قيل: يا رسول الله! وكيف يلعن الرجل والديه؟! قال: يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه}.
وهذا يسمى التسبب، أن تتسبب في جريمة: {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام:108] وهذا من قلة فقه الرجل أن يتسبب بإنكار منكر، أو بشيء من الإنكار إلى منكر أعظم، ولذلك قالوا: ليكن أمرك بالمعروف بالمعروف، ونهيك عن المنكر بلا منكر، فإن بعض الناس يأمر بالمعروف فيكون أمره بالمعروف منكراً، وينهى عن المنكر بطريق المنكر، فبعض الناس ربما يصل به الإنكار إلى سب الوالدين، فيصل هذا إلى أن يعيد السب إلى والديه، فهذا من أكبر الكبائر.
كأن يأتي إنسان إلى الكفرة الذين يعبدون الأصنام، فيسب أصنامهم؛ فيسبون الله؛ لأنه منهي عنه بنص القرآن، ومثل ذلك من يسب آباء الناس وأمهاتهم، وهذا من قلة العقل والفحش -نعوذ بالله من ذلك- والمجون، وما لك وما للوالدين؟ إما أن تسب من سبك وإلا فالعفو فهو أحسن.