لا يفترضون المسائل التي لم تقع، ولكنهم يبحثون في الواقع.
وبعض الناس يسأل عن علمٍ، أو عن مسألة لم تقع، أو ربما لا تقع في مائة سنة، وهو يجهل الأمور التي تقع في كل أربع وعشرين ساعة.
جاء رجل إلى زيد بن ثابت فقال له: لو فعل رجل كذا وكذا فماذا عليه؟
قال: [[أوقعت هذه المسألة؟ قال: ما وقعت.
قال: اذهب إلى أهلك، فإذا وقعت فتعال فاسألنا فيها، لنتجشم لك الجواب]].
وبعض الناس من قلة الورع إذا عرضت عليه المسألة التي يتحرج منها، ابن عباس وابن تيمية وابن القيم طفر طفراً بالجواب أخطأ أم أصاب:
وليس بحاكم من ليس يخشى أأخطأ في الحكومة أم أصابا
قال هذا التابعي: [[لا إله إلا الله، تفتي في كل هذه المسائل؟ قال: نعم.
قال: والله الذي لا إله إلا هو، إنكم لتفتون في مسائل لو عرضت على عمر رضي الله عنه لجمع لها أهل بدر]].
ولما أراد عمر رضي الله عنه أن يدخل الشام (سوريا) توقف في الطريق، قالوا: مالك يا أمير المؤمنين؟
قال: [[وقع طاعون في الشام فلا أدري أأدخل أم لا، أرى ألا أدخل.
قال: استفت الناس فأتى بالمهاجرين فجلسوا قال: أسمعتم من الرسول عليه الصلاة والسلام]].
هو لا يريد المشورة، هي ليست بيع غنم، ولا مساومة كشاة الأعرابي الذي عرض شاته في السوق فقيل: بكم شاتكم؟ قال: شاتي بسبعة، وأتى لي بثمانية، فإن كنت تريدها بتسعه فخذها بعشرة، وهذه المساومة لا تدخل في العلم.
فـ عمر لم يجمع المهاجرين ليقول لهم: ماذا ترون؟ ما هو رأيك يا علي! ويا عثمان! ويا أبا عبيدة؟ يريد كلاماً مفصلاً، وإلا فرأيه وعقليته أكبر من أن تحصى؛ هو عبقري على مستوى العالم، فهو الثاني في العظماء كما قال الأعداء:
والحق ما شهدت به الأعداء
[[أتى المهاجرون قالوا: ما سمعنا شيئاً، ونفضوا ثيابهم وخرجوا من المجلس.
قال: عليَّ بالأنصار فجلسوا فقال: أسمعتم شيئاً في الطاعون من الرسول عليه الصلاة والسلام؟ قالوا: ما سمعنا شيئاً.
قال: قوموا، فنفضوا ثيابهم فقاموا.
قال: عليَّ بالأعراب وبقية المسلمين، فدخلوا، قال: أسمعتم شيئاً من المعصوم عليه الصلاة والسلام؟ قالوا: ما سمعنا شيئاً.
قال: قوموا]].
ولما أراد أن يدخل الشام على الصحيح، وإذا بـ عبد الرحمن بن عوف مقبلٌ كان أظلَّ جمله فتأخر يبحث عنه، فأقبل وقال: لماذا اجتمع المسلمون؟ قالوا: من أجل مسألة الطاعون.
قال: إن عندي فيها علماً، حياك الله يا ابن عوف! وحيا الله علمك.
[[قال عمر: ماذا سمعت من الرسول صلى الله عليه وسلم.
قال: سمعته يقول: {إذا وقع الطاعون بأرضٍ فلا تخرجوا منها، وإذا وقع في أرضٍ وأنتم خارجها فلا تدخلوا إليها} قال عمر: أنت عندنا العدل الثقة]] وهذا من أوائل التجريح والتعديل في الإسلام.