كعب بن مالك وعبد الله بن رواحة

ومنهم كعب بن مالك وعبد الله بن رواحة، فقد أتى إلى الرسول عليه الصلاة والسلام فقال: {يا رسول الله!

فثبت الله ما آتاك من حسن تثبيت موسى ونصراً كالذي نصروا

في قصيدة أخرى رائية يقول:

لو لم تكن فيه آيات مبينة لكان منظره ينبيك بالخبر

فضحك عليه الصلاة والسلام وقال: وإياك فثبت} وثبت الله ابن رواحة، فقد باع نفسه من الله، كما يقول ابن القيم: في بيعة العقبة {والبيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإذا تفرقا فقد وجب البيع} وذهب إلى مؤتة، فلما أتت ساعة الصفر نزل إلى الأبطال، وخلع درعه، وأخذ سيفه وقال:

أقسمت يا نفس لتنزلنه

لتنزلن أو لتكرهنه

إن أقبل الناس وشدوا الرنة

مالي أراك تكرهين الجنة

هل أنت إلا نطفة في شنة

يقول له الصحابة وهم يودعونه في المدينة ويبكون: تعود لنا يا ابن رواحة بالسلامة والعافية.

قال: لا.

لا يريد أن يعود إلى المدينة، ودع الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبكى، ولما التفت إلى المدينة وهو على فرسه قال:

خلف السلام على امرئ ودعته في النخل خير مودع وخليل

ترك زوجته وأولاده وأصحابه الأنصار وأصدقاءه، وما التفت إلا إلى رجل، ومن أجل عين تكرم ألف عين، قال:

خلف السلام على امرئ ودعته في النخل خير مودع وخليل

يقصد: رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال له الصحابة: تعودون بالسلامة.

قال:

لكنني أسأل الرحمن مغفرة وطعنة ذات قرع تقذف الزبدا

حتى يقال إذا مروا على جدثي يا أرشد الله من غاز وقد رشدا

فقتل هناك، وروحه هناك في الجنة: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر:27 - 30] فحفظه الله وأصبح شهيداً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015