رفعة منزلة العلماء

والعلم من فضله يرفع الفقير، ويعلي المسكين، ويجعل المولى سيداً، فهذا عطاء بن أبي رباح مفتي الدنيا، نادى سليمان بن عبد الملك: لا يفتي في المواسم إلا عطاء بن أبي رباح؛ كان عبداً، أشلَّ، أفطس، ضعيف البنية، هزيلاً، أحنف، لكن حمل علماً! فكان الخلفاء والأمراء يأخذون طريقهم في الدور ليسألوه سؤالاً.

وكان ابن أبي الجعد مولىً عند سيده، فأعتقه، وقال له سيده: ما أعتقتك حباً فيك، لكنك لا تحسن تجارة، ولا نساجةً، ولا خشابةً، فعليك بالعلم، قال: فطلبت العلم، فاستأذن عليَّ أمير المدينة أن يزورني بعد سنة فما أذنت له.

كان مشغولاً، طرق عليه الباب أن يأذن له، فما أذن له.

لماذا رُصِدَ لـ ابن تيمية هذا الرصد العالمي الهائل، فقد ألف فيه أكثر من أربعين كتاباً من الغرب، أما الشرق فمئات الكتب، لماذا رصد له؟ ألمنصبه؟

لا.

ليس معه منصب! ما تولى ابن تيمية منصباً أبداً.

ألتجارته؟

ما عنده إلا ثوب وكسرة خبز.

ألأسرته؟

لا.

أسرته لا تستطيع تحميه.

لكن للعلم الذي حمله، وللعمل الذي قام به، والإنتاج الهائل الذي قدمه للأمة عليه رضوان الله.

تقدم شاعراً فيهم خطيباً ولولاه لما ركبوا وراءه

هذه بعض اللمحات.

يسجن الإمام أحمد من أجل فتنة القول بخلق القرآن، يأبى ذلك ويرفض فتبقى الأمة في الشوارع وتملأ سكك بغداد.

يقول الخليفة للناس: ادخلوا البيوت؟

قالوا: لا ندخل البيوت والإمام أحمد في السجن.

قال: أنصتوا؟

قالوا: لا ننصت حتى نسمع أحمد.

أخرج المعتصم جيشاً يطوقُ الطرقات، وأعلن حالة استنفار في جيشه الذي حطم به الروم، وهزم به أهل عمورية، وأحرق المدن، يريد أن يطوق هذا الهيجان الإيماني فيأبون، يقولون: نريد أن نسمع كلام أحمد أولاً.

يا عباد الله! قالوا: عباد الله حتى نسمع كلام أحمد، فيقول أحمد الكلمة فتخرج الأمة معه، وينتصر الحق، ويثبت المنهج الرباني، ويكون الرصيد العالمي للإمام أحمد أنه رجل عامة، كما سأذكر ذلك إن شاء الله.

يقول الشاطبي في الاعتصام: وذلك أن الجميع اتفقوا على اعتبار أهل العلم والاجتهاد سواء ضموا إليهم العوام أم لا.

فهم أهل الاجتهاد، وهم أولو الأمر، وهم أهل الريادة والقيادة العلمية، ولا عبرة بغيرهم.

وقال ابن تيمية في كتاب الفتاوى (4/ 97): وعيب المنافقين للعلماء -كالعلمانيين- بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم قديم، من زمن المنافقين الذين كانوا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وأما أهل العلم، فكانوا يقولون: هم الأبدال لأنهم أبدال الأنبياء وقائمون مقامهم.

وهناك حديثٌ في الأبدال لكني إلى الآن أتتبع طرقه ولم أرَ أنه صحيحٌ ولو أن بعض المحدثين المتأخرين يصححونه، لكن الأبدال هم أبدال الأنبياء الذين يخلفونهم في حمل الرسالة، وحمل العقيدة، وتقديمها للأمة هؤلاء هم الأبدال.

وقال ابن القيم في إعلام الموقعين (1/ 9): فقهاء الإسلام ومن دارت الفتيا على أقوالهم بين الأنام، الذين خصوا باستنباط الأحكام، وعنوا بضبط قواعد الحلال والحرام، فهم في الأرض بمنزلة النجوم في السماء؛ بهم يهتدي الحيران في الظلماء، وحاجة الناس إليهم أعظم من حاجتهم إلى الطعام والشراب، وطاعتهم أفرض عليهم من طاعة الأمهات والآباء بنص الكتاب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015