إنها عقيدة لقي بها السلف الصالح أعداءهم فنصرهم الله، وجاء في ترجمة خالد -وكلكم يعرف خالداً - ومن الذي لا يعرف أبا سليمان؟ من الذي لا يعرف سيف الله المسلول الذي سله الله على المشركين؟ التقى بالروم، وظن خالد أن الروم عددهم نسبي، كان جيش خالد اثنين وثلاثين ألفاً، وجيش الروم كان عدده مائتين وثمانين ألفاً، وفي الصباح مع طلوع الشمس أقبلت كتائب الروم تتهدر، والسيوف تلمع مع الشمس، تنزل الكتيبة حتى امتلأت الأودية والجبال والسهول، إلى أين يلتجئ خالد؟ أيلتجئ إلى هيئة الأمم؟ أو إلى مجلس الأمن؟! التجأ إلى الله الواحد الأحد.
{وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال:17] {فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف:64] وأتى القادة حول خالد، وصدق خالد مع الله في ذلك اليوم، فقد باع نفسه، حتى يقول عليه الصلاة والسلام: {إنكم تظلمون خالداً، لقد ابتاع أعتده وأدرعه في سبيل الله} فبعث خالد إلى شيخ بـ وادي السماوة، وهو عربي مسلم اسمه عياض بن غنم.
ولذلك تقول العرب: أقصر كتاب في التاريخ كتاب خالد إلى عياض بن غنم.
فالأمر أعجل من ذلك؛ لأن خالداً ليس لديه وقت يملي ولا يكتب؛ فأخذ الرسالة وكتب إلى شيخ قبائل العرب: بسم الله الرحمن الرحيم، من خالد بن الوليد إلى عياض بن غنم، إياك أريد والسلام.
وتمهل خالد لئلا يشتبك في الحرب مع الروم، ووصلت الرسالة إلى عياض بن غنم فبكى يوم قرأها، وقام في قبائل العرب وحشد الحشود، وما أتى في الليلة الثانية إلا وقد اجتمعوا مع خالد بن الوليد، لكن هيهات، قبائل الروم مائتان وثمانون ألفاً كالجبال، جيش عرمرم متدربون وقادة، فلما خرجوا، قال أحد المسلمين لـ خالد: يا خالد ما أكثر الروم وما أقلنا! اليوم نفر إلى جبل سلمى وآجا.
فدمعت عينا خالد، وقال: بل إلى الله الملتجأ.
ثم جرد السيوف، ولم تأت ثلاثة أيام إلا وقد أوقعهم في كربة وفي سحق ومحق لا يعلمه إلا الله: {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:45].