ثم من انتصاراته: أن الله يؤلف عليه القلوب ويجمع عليه العرب، والعرب لا تجمعهم امبراطورية، ولا يجمعهم سيف أو مظلة إلا مظلة (لا إله إلا الله محمد رسول الله): {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:62 - 63]؛ وهذا انتصار هائل أن يرى صلى الله عليه وسلم أعداءه يأتون إليه ويقفون أمامه معتذرين.
وفي الحديث: أن أبا سفيان بن الحارث ابن عمه صلى الله عليه وسلم -وليس هو أبو سفيان بن حرب - أتى إليه صلى الله عليه وسلم، وقال: يا رسول الله! والله ما أجد لك إلا كما قال إخوة يوسف: {تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ} [يوسف:91] فقال عليه الصلاة والسلام: {لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف:92].
ابن الزبعري هذا الشاعر الذي كان يقدح في الإسلام والمسلمين فرَّ إلى نجران، وفي الأخير لما رأى الجزيرة أسلمت أتى ووقف أمام الرسول صلى الله عليه وسلم وقال:
مضت العداوة وانتهت أسبابها وأتت أواصر دونها وحلومُ
فاغفر عليك من المهيمن رحمة تاجٌ يلوح وخاتم مختومُ
كأنه يقول: انس يا رسول الله الماضي.
وأتت هند تبايعه صلى الله عليه وسلم؛ وهي التي أكلت من كبد حمزة، فمدت يدها من وراء الستار لتصافحه، وما كان يصافح امرأة، قال: {ما هذه اليد التي كأنها يد سبع؟} -ما كانت تختضب، ولا تقلم أظفارها- قالت: أنا هند، فذكرها صلى الله عليه وسلم بما فعلت بـ حمزة، قالت: يا رسول الله! عفا الله عما سلف، قال: عفا الله عما سلف، فما انتقم لنفسه أبداً، بل عاش صلى الله عليه وسلم منتقماً للا إله إلا الله، غاضباً لحدود الله فحسب.