وروى البخاري في صحيحه في باب الوكالة: {أن رجلاً من بني إسرائيل ذهب إلى أخيه يستلف منه ويقترض ألف دينار -وكلاهما مؤمنان مصدقان بالله الواحد الأحد- فقال له: أسلفني ألف دينار فأنا محتاج وفقير.
قال: من يكفلك؟ قال: الله يكفلني، قال: رضيت بالله} من رضي بالله سلمه الله وأعطاه ما تمنى، قال: رضيت بالله، وهل بعد الله من مطلب؟!
يقول النابغة الذبياني لـ النعمان بن المنذر:
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة وليس وراء الله للمرء مذهب
يقول: حلفت لك، وهل تريد بعد الله من قسم؟
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة وليس وراء الله للمرء مذهب
لئن كنت قد بلغت عني وشاية لمبلغك الواشي أغش وأكذب
{قال: من يكفلك؟ قال: الله الواحد الأحد.
قال: رضيت بالله، تعال بالصك؛ فكتب الصك، فلما بقيت خانة الشهادة قال: من يشهد لك؟ قال: يشهد لي الله.
قال: رضيت بالله شاهداً، فكتبوا وشهد على ذلك الحي القيوم، وأخذ الصك وأعطاه ألف دينار، وذهب الإسرائيلي من أخيه لا يدري أين يذهب، ولا يدري أين منزله لكنه توكل على الله.
وبعد حين جاء وقت أداء القرض فذهب هذا الإسرائيلي ليركب البحر ويوصل الدين إلى صاحبه، فإذا أمواج البحر تضطرب وإذا بالهول أمامه، فعاد إلى بيته، ثم رجع إلى الشاطئ فما وجد سفينة ولا قارباً، فدمعت عيناه، وقال: يا رب! أراد كفيلاً فقلت: أنت الكفيل فرضي بك، وطلب شاهداً فقلت: أنت الشاهد فرضي بك، اللهم ادفع له هذا المال.
وأخذ خشبة ونقرها ووضع فيها ألف دينار، ثم كتب رسالة إلى صاحبه، ثم قال: باسم الله، ووضعها في الماء.
فأخذها الكفيل الذي ليس بعده كفيل والشاهد الذي ليس بعده شاهد، وأخذت تتدحرج على ظهر الماء ولا تغرق، والرجل الآخر في نفس الميعاد خرج ليستقبل صاحبه في السفينة على الموعد، فانتظر فما قدمت سفينة، وما أتى قارب، ولم يأت صاحبه، وإذا بالبحر يرمي إليه بخشبة، فقال: لا أفوت سفري، آخذ هذه الخشبة حطباً لأهلي، فذهب فكسر الخشبة فوجد الألف الدينار ووجد الرسالة} {فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف:64].