وأنا أرشح من الإخوة الذين يجتمعون دائماً للسمرات والحفلات والمناسبات أن يكون بينهم جدول عمل، والكفار بينهم جدول إلا المسلمين، فيجتمعون في قصص، وأطروحات وفكاهات، أرى أنهم يقولون: إذا اجتمعنا عندك هذه الليلة فلنحفظ خمساً من الآيات أو نقرأ في تفسير ابن كثير، أو نقرأ في رياض الصالحين، أو يكون معنا قصة نقرؤها، أو حديث، أو سيرة نبوية، فهذا مطلوب.
وأرشح أن تكون هذه المراجعة مع الصاحب، فيكون لك صديق وصاحب تقرأ عليه وتردد، وليكن ولو كان في الأسبوع يومان أو يوم واحد كالأساتذة مثلاً في المدرسة، كثير من الأساتذة يفوت عليهم وقت الطلبة بين الحصص وكذلك وقت انتظار ركوب الطائرة ساعة أو ساعتين، وتجد الإنسان يعدد الناس وينظر إلى أشكال الناس وحقائبهم حتى تتعب رقبته من كثرة الالتفات، وبعضهم إذا وقف على الرصيف، أخذ ينظر في السيارات يوصلها من مكان إلى مكان بنظره، فعليه أن يأخذ المصحف أو يكرر سورة.
فضياع الوقت أمره عجيب، بعض الناس يفتح البقالة بعد صلاة الفجر فلا يأتيه أحد، بعضهم عنده بصل أو ثوم وشيء من سكر فيفتح من بعد الفجر خوفاً أن يبتعد عنه الزبائن، فيبقى إلى الساعة العاشرة ولا يأتيه أحد، وتجده جالساً لا يقرأ، إنما ينظر في هذه المعلبات حتى لا تفر من بين يديه، يا أخي! افتح المصحف، كثير من التجار معهم مصاحف في حوانيتهم، وهذا ينبغي أن يكون كذلك في مكاتب الموظفين والأساتذة والمدراء ليقرءوا وقت الفراغ، فبعضهم ليس لديه إلا معاملة واحدة أتعب المسلمين بها، كلما أتاه المراجع يقول له: بعد شهرين إن شاء الله، لماذا؟ يقول: الأدراج مليئة بالملفات والمراجعات، وهو بهذه المعاملة أتعب الناسَّ وليس عنده شيء إلا اتصالات، فينبغي أن يكون المصحف على طاولة المكتب.
وإذا وجد هناك من الملابسات والظروف ما يعيق فليكن عندك مسجل تستمع، وهذا من أحسن ما يكون، وأنا رأيت بعض الناس معه مصحف يقرأ فيه قراءة عجيبة، مع كثرة أشغاله وأعماله لكن يزيده الله عوناً وصحة.
كذلك بعض الناس ينتظر السيارة وتجده جالساً ولكنه لا يقرأ، فيضيع الوقت وهو حياته، وهو يصرف من وقته والله محاسبه على هذا العمر، قال تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون:115 - 116].
وبعض الناس لا يبيع ولا يشتري ولكن ينزل في السوق يجلس عند بائع الخيار نصف ساعة، وعند بائع الجرجير ساعة، ثم يقوم في الظهر لم يشتر ولم يبع، لماذا هكذا يا فلان؟ يقول: أتمشى وأنظر في هذه النعم، وأنظر في خلق الناس.
لكن هل ترضى أن يذهب وقتك سدى؟!
وبعضهم -نسأل الله العافية- يذهب إلى المحاكم يشهد شهادة زور، ليس موظفاً ولا مدرساً ولا عنده عمل، لكن أخذ مسبحته وذهب، يا فلان! عندك شيء والفلوس جاهزة -نسأل الله العافية- وهذه يفعلها من ضاع حظه من الله، فيبيع دينه بألف ريال، أو ألف وخمسمائة، أو ألفين، وبعضهم باع دينه بعشرة آلاف، ووالله! لو دفعت له الدنيا بما فيها ذهباً وفضة لهو الخسران.