كان عليه الصلاة والسلام دائماً إذا أرسل عاملاً أوصاه بتقوى الله عز وجل، وهذا على العموم، ولكن كان يوصي صلى الله عليه وسلم الوصايا بما تناسب الناس، وهذه ليست إلا له صلى الله عليه وسلم، يأتي الرجل المحتد الغضبان، يقول: أوصني فيقول: {لا تغضب} لا يقول له عليه الصلاة والسلام: لا تنفق أموالك؛ لأنه ليس له أموال أو ربما يكون بخيلاً فلا يزيده صلى الله عليه وسلم إلا بخلاً، ويأتي الرجل الشجاع، فيقول: أوصني؟ فيقول: {عليك بالجهاد في سبيل الله} ويأتي الشيخ الكبير فيقول: أوصني؟ فيقول: {لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله} ويأتي الغني من ذوي الأموال، فيقول: أوصني يا رسول الله، فيقول: {أشبع الجائع، وفك العاني، وافدِ الأسير} أو كما قال عليه الصلاة والسلام، ويأتي صاحب الوالدة أو الوالدين وهما كبيران في السن قد بلغا الشيخوخة، فيقول: أوصني يا رسول الله، فيقول: {عليك ببر والديك أو ففيهما فجاهد} فهذا له عليه صلى الله عليه وسلم وليست لغيره؛ لأنه لا يعرف أحوال الناس إلا هو صلى الله عليه وسلم بما علمه الله.
فكان يضع كل شيء في موضعه صلى الله عليه وسلم، وكان يؤمِّر من يستحق الإمارة عليه الصلاة والسلام وأتى بعض الناس من الصحابة يطلبون الإمارة فيرفض؛ لأنه يعرف أنهم ليسوا أهلاً بالإمارة لا لقلة دينهم أو لقلة زهدهم أو ورعهم، لكن لأنهم لا يجيدون التصرف في الإمارة كـ أبي ذر قال له صلى الله عليه وسلم: {والله إني أحبك، وأريد لك ما أريده لنفسي، لكنك رجل ضعيف} قالوا: ضعيف لا يحسن تصريف قيادة الجيش، فما ولاه عليه الصلاة والسلام، وفي هذا توصية الإمام، أو توصية من يرسل بتقوى الله عز وجل، وواجب على كل مسئول ومدير ورئيس أن يوصي الموظفين والطلاب عنده بتقوى الله عز وجل صباحاً ومساءً.
قال الإمام النووي: حق على من ولاه الله شيئاً ألا تفتر لسانه بتقوى الله عز وجل للناس، فإنه إذا أدمن صباح مساء أن يوصي بتقوى الله والإخلاص في العلم وبذل الجهد والصدق مع الله رسخت هذه الكلمات ونفع الله بها سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.
أي أنه لا يكفى أن يقول لهم في الشهر مرة ثم يتركهم، لا.
بل يكرر عليهم هذا دائماً إذا كان ناصحاً وصادقاً ومخلصاً، أما إذا كان غير ذلك فنسأل الله العافية والسلامة.