إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصلى الله على محمد عبده ورسوله وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أمَّا بَعْد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
ولا زلنا في طوافة ومعيشة مع البخاري في صحيحه، ولو أنصفوه لما خط صحيحه إلا بماء الذهب؛ ولذلك كان لهذا الكتاب مكانته كما تعرفون ويعرف غيركم من طلبة العلم، ولا بد من تكرار هذه المعاني في كتب أهل السنة التي قدمها أئمة الإسلام إلى هذه الأمة المرحومة، الأمة المحمدية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام.
ومعنا في هذه الجلسة حديث يستهل به الإمام البخاري رحمه الله كتاب الزكاة في هذا الكتاب، وقد قلنا في مناسبة: إنه لا بد في مثل هذه الجلسات من التنويع بين الرقائق والأحكام وبين المسائل والفضائل، وأنه لا بد أن يجمع طالب العلم بين مسائل العلم التي ترقق القلب وبين الأحكام التي تفقه المسلم في دينه.
قال البخاري رحمه الله: "باب وجوب الزكاة" وقال الله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة:83] ثم قال بعد أن ساق الحديث بسنده عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: {لما أرسل النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً إلى اليمن قال: إنك تأتي قوماً أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإن هم أطاعوك لذلك، فأخبرهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة، فإن هم أطاعوك لذلك فأخبرهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وتدفع إلى فقرائهم، وإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب} هذا الحديث رواه البخاري ومسلم ومالك وأبو داود والنسائي واتفق الجماعة على إخراجه من طرق، واختلفوا في الألفاظ كما سيرد بإذن الله في الشرح.
أما صاحب هذه القصة فإنه سيد العلماء رضي الله عنه وأرضاه وقائدهم إلى الجنة، يسبقهم يوم القيامة برتوة حجر، فهم يمشون يوم القيامة بعده حتى يدخلوا الجنة جميعاً.
والعجيب أن هذا الحديث من رواية الأقران، أي: من رواية صحابي عن صحابي، وهو فن مستقل بذاته.
والطرفة الأخرى هي: أن هذا الحديث رواه عالم عن عالم، فـ ابن عباس ترجمان القرآن وحبر الأمة يروي قصة معاذ رضي الله عنه وأرضاه وقبل أن نشرع في هذا الحديث الذي سمعتموه فإن معنا عشرون قضية: