Q أرجو أن تبدي رأيك في قول الشافعي رحمه الله في هذين البيتين، وهل في ذلك تعارض مع قول الله تعالى: {إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [الحجرات:12] أو ما شابهها، قال الشافعي:
لا يكن ظنك إلا سيئاً إن سوء الظن من أقوى الفطن
ما رمى الإنسان في مهلكة غير حسن الظن والقول الحسن
فما رأيكم؟
صلى الله عليه وسلم أولاً: صحة هذه الأبيات للشافعي ليست بصحيحة، وربما رآها الأخ في بعض ما نسب للشافعي، أقول لك: كثير من القصائد نسبت للشافعي ليست بصحيحة.
ثانياً: ولو كانت صحيحة للشافعي فليس الشافعي معصوماً، بل يؤخذ من كلامه ويرد كما قال مالك: ما منا إلا راد ومردود عليه إلا صاحب ذاك القبر، يعني: رسول الله عليه الصلاة والسلام، وإذا أتى كلام لبشر وأتى كلام رب البشر، وبينهما تعارض جعلنا كلام رب البشر على العين وعلى الرأس، ورمينا بكلام البشر، بل ضربنا به عرض الحائط، كما قال الشافعي عن نفسه وأبو حنيفة ومالك وأحمد فإنهم طالبوا ألا يقلدوا في أقوالهم، وإذا عارضت أقوالهم قول الله، أو قول رسوله عليه الصلاة والسلام، فلا نلتفت إلى أقوالهم أبداً، سواءً في الأصول، أو الفروع، أو الآداب، أو السلوك.
وبالمناسبة وأنا أذكر في العقيدة قد مر بعض الأبيات التي أساءت على العقيدة، لما أدخل بنا الأخ في بحر الشعر، ندخل معه في باب المعتقد عن قصائد لا يجوز الاستشهاد بها، ومن اعتقدها فقد كفر، كقول ابن هانيء الأندلسي وقد دخل على سلطان من السلاطين:
ما شئت لا ما شاءت الأقدار فاحكم فأنت الواحد القهار
فابتلاه الله بمرض، حتى كان ينبح كما ينبح الكلب على فراشه، ويقول هذا الشاعر:
أبعين مفتقر إليك نظرتني فأهنتني وقذفتني من حالق
لست الملوم أنا الملوم لأنني علقت آمالي بغير الخالق
وكما قال الشاعر القروي عليه من الله ما يستحقه، وإن كان مات عليها فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، دخل دمشق وسط عاصفة من التصفيق مع القوميين فأخذ يقول:
هبوا لي دينا يجعل العرب أمة وسيروا بجثماني على دين برهم
ثم يقول:
فيا مرحباً كفراً يؤلف بيننا وأهلاً وسهلاً بعده بجهنم
ومنهم البرعي البدعي الغالي القبوري، وصل قبر الرسول عليه الصلاة والسلام، فوقف عند القبر، وقال: يا رسول الله -يناديه وهو في قبره صلى الله عليه وسلم- يقول:
يا رسول الله يامن ذكره في نهار الحشر رمزاً ومقاماً
فأقلني عثرتي يا سيدي في اكتساب الذنب في خمسين عاماً
فقد أخطأ وأشرك.
ومنها قول البوصيري في آخر البردة:
يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به سواك عند حدوث الحادث العمم
إن لم تكن في قيامي آخذاً بيدي فضلاً وإلا فقل يا زلة القدم
القصيدة في أولها جميلة، ولكنه أساء في الأخير بكل إساءة.
وقال أبو فراس ولا نستطيع أن نشركه ونجعله مشركاً بهذه الأبيات، ولكن ذكرت بذلك قول ابن القيم في بدائع الفوائد قال: أحسن هذا الشاعر في نظمه، وأساء في أن صرفها لمخلوق، يقول أبو فراس لـ سيف الدولة ابن حمدان:
فليتك تحلو والحياة مريرة وليتك ترضى والأنام غضاب
وليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خراب
إذا صح منك الود فالكل هين وكل الذي فوق التراب تراب
فنقول: أسأت كل الإساءة لما جعلتها لمخلوق، ولو أنك قلت للخالق هذه الأبيات لأحسنت كل الإحسان.
وأورد ابن عساكر في تاريخه بيتين لم أرهما في ديوان المتنبي ذكرهما ابن كثير وغيره أن المتنبي يقول لـ سيف الدولة:
يا من ألوذ به فيما أؤمله وأستعيذ به مما أحاذره
لا يجبر الناس عظماً أنت كاسره ولا يهيضون عظماً أنت جابره
قال ابن كثير: وسمعت شيخنا شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: إني أدعو في سجودي بمضمون هذين البيتين.
أي: يحول مضمون البيتين لله الواحد الأحد، فلا يعاذ إلا بالله، ولا يلاذ إلا بالله، ولا يجبر الكسير ولا يكسر الجابر إلا الله، ولا يعافي ولا يشافي ولا ينفع ولا يضر إلا الواحد الأحد.