الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً.
أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، صلى الله وسلم على حامل لواء العز في بني لؤي، وصاحب الطود المنيف في بني عبد مناف بن قصي، صاحب الغرة والتحجيل، المذكور في التوراة والإنجيل، المعلم الجليل، المؤيد بجبريل، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
ما أروع البناء! وما أحسن المسجد! وما أجمل العمار! {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [التوبة:109] ما أحسن هذا المسجد! وما أحسن من بناه! وما له عند الله من أجر {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} [التوبة:18] وقبلها يقول جلت قدرته: {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ} [التوبة:17].
لا إله إلا الله ما أحسن عمارة المساجد! لا إله إلا الله ما أروع البناء!
أيهما أحسن! ذاك الذي دفع ماله ليعمر مسجداً {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ} [النور:36 - 37].
أم ذاك الذي دفع ماله فبنى خمارة وبارة ودار لهوٍ ومسرحاً مهدِّماً، وداراً للشياطين؟ هذا يبني روضة من رياض الجنة ليسجد فيها عباد الله، ويبني بناءً ليذكر فيها اسم الله جلت قدرته، فما أحسن البناء ولكن ليس العمار فحسب أسمنت وخرسان وحديد وبلك، لا.
بل عمار قلوب، ندوات ودروس وذكر وعلم، وأمر بمعروف ونهي عن منكر، يقول إقبال:
أرى التفكير أدركه خمول ولم تبق العزائم في اشتعال
وأصبح وعظكم من غير نور ولا سحر يطل من المقال
وعند الناس فلسفة وفكر ولكن أين تلقين الغزالي
وجلجلة الأذان بكل حيٍ ولكن أين صوت من بلال
منائركم علت في كل ساح ومسجدكم من العباد خالي
أشكركم يا أهل هذه المنطقة شكرين اثنين:
الشكر الأول: نحبكم في الله الواحد الأحد، والشكر الثاني: شكراً خاصاً، فما أتى لكم داعية إلا واحترمتموه واستقبلتموه، بالأمس أتى إليكم القرعاوي يحمل لا إله إلا الله ومعه حافظ فقدمتم النفس والنفيس والدماء والأموال والأرواح، وكل يوم تقدمون؛ لأنكم لا تصلحون إلا بلا إله إلا الله، فطرتم على لا إله إلا الله، ونشأتم على لا إله إلا الله، وابنكم رضع لا إله إلا الله، فأسأل الله أن يميتني أنا وإياكم على لا إله إلا الله.
نعم.
عنوان الدرس: رسالتي إلى أهل البادية، صمم خططها ونظم أفكارها فضيلة الشيخ عبد الله بن عائض الجهري -حفظه الله ورعاه- وإنها لرسالة من رسالة محمد عليه الصلاة والسلام، {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الجمعة:2].
الرسول عليه الصلاة والسلام أحب البادية، وحسنت به البادية وعاش فيها، واستنشق هواءها، ورضع لبنها، يبدو وإخوانه بادية بني سعد، والبادية فيها رجال، وتغرس فيها الشجاعة، وتنبت فيها غصون الكرم، والبادية فيها المثل العليا، والعرب يحبون البادية، والقرآن تكلم عنها وعن عيشها وعن سكناها، وعن أين يسكنون وأين ينتجعون وأين يرتحلون.
وسبب هذه المحاضرة أمور ثلاثة: