الثمرة الخامسة عشرة: أزحنا شبح الموت عنا ولله الحمد، نحن أمة ما خضنا معاركاً منذ أن يعقل من أمثالنا وسننا وأسرابنا ما سمعنا أن البلاد خاضت معركة والحمد الله ونسأل الله أن يبعد عنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، فلما سمعنا بهذه الأزمة خاف الناس خوفاً عظيماً ما سمع الناس بمثله، وما أظن أن هناك بلداً يشبه هذا البلد أو ما حوله، في قضية استنفار الطاقات وقضية الاهتمام بالحدث الجلل الذي وقع؛ لأن بعض الشعوب ولو كانت منحرفة فإنها عاشت الحروب واستمرت عليه يقول المتنبي:
إذا اعتاد الفتى خوض المنايا فأهون ما يمر به الوحول
يقول: إذا كان الرجل معتاداً على القتل والقتال، سهل عليه خوض المعركة والوصول لها، وتعرفون من الصور والنماذج التي كانت من شبح الموت أن بعض الأطفال أتاهم عن طاغية العراق من التهويل وساهمت بعض الصحف في تهويل هذا الطاغية، فكانت ترسمه بأنياب كالخناجر، وبعيون يخرج منها الشرر وترسمه وتصوره وعليه خنجر وسلاح؛ فخوفوا الأطفال والبنات الأحياء منهم والأموات، وظنوا أن هذا يأكل البشر حتى أن بعض الأطفال يقول: هذا صدام يأكل الناس، قلنا: ما يأكل، بل يأكل خبزاً وسوف يقصم الله ظهره، أما الأطفال ما يأكلهم.
فهذا ساهم فيه بعض الصحفيين في رسمه وتقبيحه وتكبيره وتهويله وهذا خطأ، ويسمى عند أهل الفقه: الإرجاف، ويُمنع المرجف والمخذل الذي يرجف في الناس ويخذل ويُمنع ويؤخذ على يديه؛ لأن العدو ضعيف ضعيف، والذي يتصل بغير الله حقير، لا يقام له وزن وأن جندنا لهم الغالبون وهذا هو جند الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى.
وأعرف ناساً في أقصى الجنوب، في قرى يمكن لو قامت أكبر المعارك العالمية يمكن ما يصلهم شيء قاموا على نوافذهم باللاصق فألصقوها حتى لا يدخل الهواء.
وفي جدة كانت هناك محاضرة عامة اسمها: "خطر ممنوع الاقتراب" قبل الهجوم بيوم أو بيومين -الهجوم الجوي- فكنت أتحدث مع الإخوة عن مسألة التوكل على الله وماذا علينا ولو متنا: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ} [التوبة:52] ونحن إن متنا فإلى نعيم نموت، فنحن نموت على التوحيد والإيمان وهل المصير إلا الموت، وفي أثناء ذلك يحس الإنسان أن الناس انشدت أعصابهم وزادت شجاعتهم، وفجأة على الميمنة من المسجد سمعنا صوت عجل سيارة له دوي كدوي البندقية أو الرشاش، فكاد الناس يخرجون من الأبواب الأخرى، فإذا المحاضرة ذهبت من المغرب إلى صلاة العشاء في الهواء؛ والسبب أن شبح الموت كبِّر وضخِّم للناس وعاشوا خوفاً، وإلا لماذا هذا الخوف؟ وكيف يصبح أعداء الله أشجع من المسلمين، بل تجد الاشتراكيين يقدمون جماجمهم تحت الدبابات، وهكذا والبعثيين والماركسيين، والشيوعيين في أفغانستان كيف قتلوا هذا القتل والإبادة؟! مع العلم أنهم يقدمون على المعركة من أجل مبادئهم الباطلة, ونحن أهل مبادئ لا إله إلا الله: {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ} [النساء:104] ويقول تعالى: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران:140] يقول أحد الشعراء واسمه النابغة الجعدي: والنبي صلى الله عليه وسلم يقول له: كيف تنتصرون على العرب، وهو كان من قبيلة بني جعدة وكانوا من الشجعان شجعان، قال: كيف تنتصرون على العرب؟ قال:
تذكرت والذكرى تهيج على الفتى ومن عادة المحزون أن يتذكرا
فلما قرعنا النبع بالنبع لم تكن على البعد أنت في عيدان تسترا
سقيناهم كأساً سقونا بمثلها ولكننا كنا على الموت أصبرا
فتبسم عليه الصلاة والسلام, ومعنى البيت: هم شجعان ونحن شجعان لكنا أصبر منهم، ثم يقول في بعض أبيات:
بلغنا السما مجداً وجوداً وسؤدداً وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا
قال: إلى أين يا أبا ليلى؟ قال: إلى الجنة يا رسول الله! قال: لا فض فوك -وليس لا وظفوك! - قال: فما سقط له سن وقد عاش مائة وعشرين سنة وليس هذا شاهدنا, بل الشاهد الصبر والتحمل، ونحن لا نخاف الموت، بل لابد أن نربي أطفالنا أن يخرج الطفل بعد صلاة المغرب إلى الشارع وإلى البيت الآخر، ما يخاف من القطط والكلاب والحمير والوحوش بل يبقى صامداً شجاعاً أما حياة الجبن والخور فيجب أن نزيحها تماماً، ويقولون أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه كانت أمه تلاعبه وهو صغير وتقول:
بأبي وأمي حيدره كليث غابات كريه المنظره
ويقولون كان علي إذا سقط على الأرض وسال دمه لا يبكي مثل الأطفال لكن علياً من جرأة قلبه لا يبكي، وكان إذا بارز الكافر يقول:
أنا الذي سمتني أمي حيدره كليث غابات كريه المنظره
أكيلكم بالسيف كيل السندره
فهذا هو إنتاج محمد عليه الصلاة والسلام, أما أن يوجه الناس إلى الحياة فقط ويحبب لهم الركود ويصبح لا هم لهم إلا الاستقرار بدون جهاد وتضحيات؛ فهذا ينتج جيلاً جباناً لا نحتاجه ولا يحتاجه الإسلام.
فشبح الموت زال عنا ووجدنا أن الموت قريب والحمد الله، وأن هذه الأوهام التي يخوف بها الناس لا حقيقة لها ولو مات الإنسان أو قتل ففي سبيل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَاباً مُؤَجَّلاً} [آل عمران:145] وهناك يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ} [التوبة:52].