الرابع: ظهر للأمة أن حملة المبادئ هم رجال الأزمات وأبطال المواقف, من الذي يصمد في العاصفة؟! من الذي يحمل السلاح؟! بعد الأزمة ظهر لنا أنهم أهل الصلوات الخمس, والذين يتعلقون بكتاب الله وبـ "لا إله إلا الله ", أما الذين يعيشون الغثائية والضياع والشهوات فلن يكون لهم دور في الأزمة وليس لهم موقف مهما كان.
فلا الجانب الغنائي اكتسح العراق ولا المسرحيات قصمت ظهر حزب البعث، ولا المسلسلات وقفت وحررت الخفجي، ولا الجلسات الحمراء وجلسات البلوت, حملوا الرشاش، وقاموا على الدبابات والمجنزرات.
لم يكن هذا أبداً, بل الذين كانوا يسجدون ويعبدون هم الذين قدموا دماءهم؛ فأهل المواقف هم أهل لا إله إلا الله: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} [الرعد:17] ولا بد من هذه التصفية.
وفي عهد الرسول عليه الصلاة والسلام اختلط الحابل بالنابل قبل معركة أحد , فأراد الله أن يميز الصف ويظهر الصادق من الكاذب, فبدأت المعركة.
خرج صلى الله عليه وسلم بألف مقاتل فانخذل في الطريق ثلاثمائة مقاتل, خرج المنافقون على جنب: {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ} [التوبة:46] , فلم يخرجوا أبداًً ولم يقبلهم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وانخذلوا؛ لأنهم ما صدقوا، وأحد الشعراء يقول:
من خان حي على الصلاة يخون حي على الكفاح
والذي لا يصلي الصلوات الخمس في المسجد فلا تظن به خيراً, أو تنتظر منه أن يرفع لا إله إلا الله أو أن يجاهد من أجل لا إله إلا الله، أو أن ينصر لا إله إلا الله؛ لأنه خان لا إله إلا الله في المسجد فكيف ينصرها في الميدان؟!
وقصة طالوت في الميدان هي مثل هذه القصة, لما مروا بنهر، قال لقومه: {فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ} [البقرة:249] فمضوا قليلاً فلما أحسوا بالظمأ لم يصبروا, انهار أهل الشهوات فشربوا حتى رووا، وبقي ثلة كأهل بدر ثلاثمائة وأربعة عشر لم يشربوا، ولما نزلوا قالوا: {قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [البقرة:250] قال الله: {فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} [البقرة:251] فهذه ثمرة من ثمرات النصر يجب أن نقف معها طويلاً، وأن نتأملها ونعرف من الذين يقدمون للأمة نفعاً, ويمكن أن يكون لهم مكانة لننزلهم منازلهم؟!