Q أرجو أن تنصحوا الشباب بكيفية إنكار المنكر والأمر بالمعروف لعامة الناس وخاصتهم؟
صلى الله عليه وسلم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أشرف الأعمال في الإسلام، ويسمى الحسبة عند علماء الإسلام، والاحتساب يكون لوجه الله عز وجل، ولا يتقيد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بهيئة فحسب، ولا يمكن أن هذه الهيئة تكفي المسلمين مسئولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فالرسول صلى الله عليه وسلم عمم الأمر بقدر الطاقة، ففي الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان} وأحسن من تكلم في هذه المسألة ابن تيمية في المجلد الثامن عشر من فتاويه، فله مبحث عجيب يستحسن الرجوع إليه في كيفية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, يقول: "ليكن أمرك بالمعروف بالمعروف، ولا يكن نهيك عن المنكر بالمنكر".
لأن بعض الناس إذا أتى لينهى عن المنكر أتى بشيء من المنكر أدهى من الذي ينهى عنه، وفوت من الأمر الحاصل أضعافاً مضاعفة على ما يطلب.
ويشترط في الداعية ثلاثة شروط:
أولها: الإخلاص لوجه الله، فلا يقصد رياءً ولا سمعة.
ثانيها: العلم، فلا يدعو الداعية إلا وهو يعلم بما يدعو إليه, ولا يشترط أن يكون مبرزاً أو متخصصاً, لكن المسألة التي تطرقها لا بد أن تكون عالماً بها.
ثالثها: العمل.
وبعضهم يزيد شرطاً رابعاً, كما ذكر ذلك الشيخ محمد بن عبد الوهاب في الأصول الثلاثة: وهو الصبر على ما تدعو إليه، ولذلك يقول لقمان لابنه وهو يعظه ببعض الوصايا يقول: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} [لقمان:17] فانظر كيف ذكر الصبر بعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
والله عز وجل طلب من رسله اللين مع المخاطبين, فقال لموسى لما أرسله إلى فرعون: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44] قال ابن عباس: [[أتدرون ما القول اللين؟ قالوا: لا.
قال: أمره الله أن يلين له الخطاب فيقول له: إن أنت أسلمت وآمنت متعك الله بشبابك وبملكك وبمالك]] فرعون أطغى الطغاة.
وأفجر الفجار، شيخ كل متكبر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها, يقول الله لموسى: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44] لا تجرح شعوره، لا تؤذه بالخطاب القاسي، لا تحاول أن تنغص عليه فإنه لا يستجيب، والناس لهم قدرهم، ولهم شرفهم، ولهم أعراضهم، ولهم قيمتهم، فإذا شعروا أنك تكسر هذا الحاجز، وأنك تهددهم بسحق قيمهم لا يستجيبون أبداً، وتأخذهم العزة بالإثم، بينما إذا دخلت باللين وبالكلمة الطيبة وبالبسمة؛ أخذتهم وجذبتهم بإذنه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ولذلك يقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لرسوله: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:63] وقال: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159] ويقول: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4] وأمره بوصية فقال له مخاطباً إياه عليه الصلاة والسلام: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف:199] ولذلك أزال صلى الله عليه وسلم غضب الناس وكسب قلوبهم، يأتيه الرجل وهو يشعر بالعداء المرير والحقد الدفين والحسد والبغض النكير؛ فما يلبث إلا ساعة فيقبل عليه صلى الله عليه وسلم بكليته, فيبتسم في وجهه ويلين له في الخطاب، ويرفع له من المقام، ويعطيه قيمته؛ فيكسبه في الدعوة وهذا أسلوبه عليه الصلاة والسلام.
وبالمناسبة أوصي كل طالب علم أن يوزع علمه وينفقه على الناس، فإن العلم إذا لم يزكَّ لم يبارك الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى فيه، والله لام بني إسرائيل على كتمانهم العلم وعلى بخلهم به فقال: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة:159 - 160] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} [آل عمران:187] فنعوذ بالله من علم لا ينفع، والعلم الذي لا ينفع هو الذي لا ينفع صاحبه ولا ينفع الناس، والعلم كما يقول الأندلسي:
هو العضب المهند ليس ينبو تصيب به مقاتل من أردتا
وكنز لا تخاف عليه لصاً خفيف الحمل يوجد حيث كنتا
يزيد بكثرة الإنفاق منه وينقص إن به كفاً شددتا
فبادره وخذ بالجد فيه فإن أعطاكه الله انتفعتا
وإن أوتيت فيه طول باع وقال الناس إنك قد رأستا
فلا تأمن سؤال الله عنه بتوبيخ علمت فهل عملتا