وأتى يصلي فلما قرأ سورة يوسف وقبل أن يركع قال: {وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ} [يوسف:84] وبكى وبكى الناس, ثم ركع وتقدم المجرم عليه غضب الله، وكان يحمل خنجراً ذا حدين مسمومين، فطعن عمر ثلاث طعنات, ست ضربات، فهوى على الأرض وهو يقول: [[حسبي الله لا إله إلا الله, عليه توكلت وهو رب العرش العظيم]] ولما سمع ورأى ابن عوف هذا تقدم فأكمل الصلاة، وانكشف وجه عمر للناس، وهو يقول: [[الله المستعان! إنا لله وإنا إليه راجعون]] {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة:156 - 157] ثم قال: من قتلني؟ يسأل وهو في الرمق الأخير، قالوا: قتلك أبو لؤلؤة المجوسي، قال: [[الحمد لله الذي جعل قتلي على يد رجلٍ ما سجد لله سجدة]] ثم حملوه وكانت دماؤه تثعب على أكتاف الرجال، يقول أنس: [[والله إنا ظننا أن القيامة قامت يوم مات عمر]] وخرجوا وقد اغبرت الدنيا وتغير وجهها, وتغير كيان العدالة، وضربت الأمة في أعز ما تملك، في رَجُلِها وزعيمها وأستاذها، في شيخها ومعلمها، ذهبوا به والبكاء يملأ شوارع المدينة، اختلط بكاء الرجال والنساء والأطفال، وشيعوه إلى بيته وهو لا يزال حياً، وقد صلى ركعةً واحدة من الفجر وبقيت الركعة الثانية، ودخلوا به في البيت، وقدم ابنه عبد الله المخدة لرأس عمر، فوضع رأسه على المخدة, قال: يا عبد الله! انزع المخدة من تحت رأسي، ضع رأسي على التراب لعل الله يرحمني، فوضع رأسه على التراب مباشرة، قال: أدخلوا علي أطفال المدينة، فأدخلوا عليه الأطفال؛ فكان يقبلهم ويمسح رءوسهم ويودعهم الوداع الأخير.
بنتم وبنا فما ابتلت جوانحنا شوقاً إليكم ولا جفت مآقينا
نكاد حين تناديكم ضمائرنا يقضي علينا الأسى لولا تأسينا
إن كان قد عز في الدنيا اللقاء ففي مواقف الحشر نلقاكم ويكفينا