ولكن بقيت مسألة هامة وسوف أطرحها بين أيديكم، وقد طرحتها بين يدي كثير من الناس من الوجهاء وأهل الحل والعقل، وهذه المسألة تقول: ما هو حل الشباب الذين وقعوا في المخدرات؟ أهو الحبس؟ أم السجن؟ أم السوط؟ أم السيف؟ أم ماذا؟ والحل هو: أن يوصل الإيمان إلى قلوبهم، السوط والسجن والسيف ليس حلاً.
قد يدخل السجن، ولكنه يعود، وقد عاد بعضهم أربع مرات، وقد رأينا بعضهم في السجون قد عاد مرات كثيرة في المخدرات، تولع لها؛ لأنه يضرب ويسجن ويحبس، ثم يخرج وقلبه قلبه، وما زاد إيمانه، فالحل: أن يدخل الإيمان في قلوب هؤلاء، وأن يعلموا طريق الجنة، وأن يحذروا من طريق النار، وأن يكون الله أهيب إليهم من كل أحد، وأن تكبر منزلة الإيمان في قلوبهم، وهذا حل مقترح يعرض عليهم.
وقضية الأوامر لا تكفي وحدها للناس، قضية السوط، وقضية افعل واترك؛ لا تكفي، ولم يستخدمها عليه الصلاة والسلام، متى حرمت الخمر؟ حرمت في المدينة، ولم تحرم في مكة لأن القرآن نزل والناس على أول استقامة والرسول صلى الله عليه وسلم يربيهم بالإيمان، ويغرس شجرة الإيمان، ويزرع في قلوبهم لا إله إلا الله، لو قال: "اتركوا الخمر" لقالوا: لا.
ولو قال: "لا تزنوا" لقالوا: لا.
ولو قال: "لا تسرقوا" لقالوا: لا.
لأنه ليس هناك إيمان، لكن لما هاجر إلى المدينة، وامتلأت قلوبهم بالإيمان، وامتلأت عقولهم بالقرآن أنزل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة:90 - 91].
قال أنس: [[لما نزلت هذه الآية كنت أطوف على بعض الصحابة وهم يشربون الخمر، قال: فلما نزلت هذه الآية قام الصحابة فسكبوا الخمر في السكك حتى سالت بها سكك المدينة، وهم يقولون: انتهينا، انتهينا، انتهينا]].
هذا هو الإيمان، لما أتى الأمر ائتمروا، ولما أتى النهي انتهوا؛ لأن قلوبهم أصبحت مضيئة بالإيمان، أما أن يربى الناس على فراغ، وعلى الأغاني، وعلى كلام لا ينفع، وعلى جلساء سوء، وعلى معاصي، ويقال لهم: لا تتناولوا المخدرات، لا تأخذوا القات! فهذا بعيد.
فقد يختفون وراء الجدران ويأكلونها، ويتسترون بالحيطان ويزاولونها، لأن رقابة الله لم تكن في نفوسهم.
فيا إخوتي في الله!
أولاً: لله الحمد والشكر على أن جعل من بين هؤلاء الشباب الذين نتحدث عنهم شباباً كهذه الوجوه، شباباً حافظوا على الصلوات الخمس، شباباً توضئوا بالماء البارد، وحملوا القرآن، وعرفوا السنة، وتلألأت على وجوههم بسمات الخير.
شباب ذللوا سبل المعالي وما عرفوا سوى الإسلام دينا
وما عرفوا الأغاني مائعات ولكن العلا صيغت لحونا
اللهم لك الحمد، ولك الشكر، ولك الرضا على أن أخرجت هؤلاء الشباب ليقولوا للعالمين: ها قد عدنا من جديد، نحن أبناء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، ها قد أتينا إلى الساحة، وقد أعلنا بطاقتنا وهويتنا وجنسيتنا أننا مسلمون، وأننا نحمل لا إله إلا الله محمد رسول الله، ولماذا وجد مثل هؤلاء الشباب؟، لأن الناس جربوا الباطل، وجربوا كل لذة، فما وجدوا ألذ من التقوى، وجربوا كل شراب، فما وجدوا أحسن من التقوى، وجربوا كل لباس، فما وجدوا أحسن من التقوى، وسكنوا ناطحات السحاب، فإذا هي لعنة بلا إيمان، وركبوا السيارات الفاخرة، فإذا هي لعنة بلا إيمان، وأكلوا الموائد الشهية، فإذا هي لعنة بلا إيمان، قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه:124 - 126] لم يجدوا الإيمان، فكانت عليهم لعنات، فأتى الناس الآن يدخلون الإيمان، لأنهم وجدوا الإيمان حلاً لمشكلاتهم.
اللهم كما زينت الإيمان في قلوب أصحاب رسولك صلى الله عليه وسلم فزينه في قلوبنا، وثمره وبارك فيه، اهدنا وسددنا وخذ بأيدينا، وتولنا في الدارين.
إخوتي في الله: أسأل الله لي ولكم استقامةً وهدايةً ورشداً، اللهم بعلمك الغيب وبقدرتك على الخلق أحينا ما كانت الحياة خيراً لنا، وتوفنا إذا كانت الوفاة خيراً لنا، اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، ونسألك القصد في الغنى والفقر، ونسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة برحمتك يا أرحم الراحمين.
وأنا أقترح أن يكون عنوان هذا الدرس " الخطر الأحمر"؛ لأن المخدرات دخلت جزءاً في هذا الكلام، وسوف نستمع إلى بعض الأسئلة، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.