{والعصر} [العصر:1] أقسم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى, وليس لأحد -عند أهل العلم- أن يقسم بغيره سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.
ولو أن الجاهليين أقسموا بغيره، وقد قال زهير:
فأقسمت بالبيت الذي طاف حوله رجال بنوه من قريش وجرهم
ولكنه وثني, لكن اسمع إلى الذين تربوا في الإسلام ولم يعرفوا أدب الشريعة, يقول المتنبي:
فومن أحب لأعصينك في الهوى قسماً به وبحسنه وبهائه
لا تعذل المشتاق في أشواقه حتى يكون حشاك في أحشائه
فهو يقسم بمحبوبته!
فهذه العقول إذا ما توجهت للوحي ولم تعرف القبلة, أصبح معبودها هواها: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً} [الجاثية:23] انظر إليه كيف بلغ به الحال أن يقسم بمحبوبته، وهذا واقع.
وهذا مجنون ليلى عند المقام في البيت العتيق يقول:
أتوب إليك يا رحمن مما جنت نفسي فقد كثرت ذنوب
وأما من هوى ليلى وتركي زيارتها فإني لا أتوب
فهو عند المقام ويقول: من كل شيء أتوب, أما ليلى هذه فلا تحدثني فيها, وأتوب من كل ذنب إلا من زيارة ليلى وحب ليلى , وذلك لأنه لم يتوجه للوحي, ولم يعرف طريقه للقيامة.
وجميل بثينة طلب منه قادة التابعين أن يجاهد في سبيل الله ليبيع دمه من الله, على العقد الذي أتى به جبريل، قال:
يقولون جاهد يا جميل بغزوة وأي جهاد غيرهن أريد
قال: لا أريد إلا النساء, ولا أريد إلا الغزل, فتجد كثيراً من الناس لما انتكسوا وارتكسوا لم يعرفوا إلا الغناء والوله والضياع والعبث, فما عرفوا طريقاً, وما سددوا هدفاً.
{والعصر} [العصر:1] أقسم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وله أن يقسم بما يريد, والمقسِم هو ويقسم بشيء، وجواب القسم سوف يأتي.