الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور، ثم الذين كفروا بربهم يعدلون، الحمد لله فاطر السماوت والأرض جاعل الملائكة رسلاً أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع، يزيد في الخلق ما يشاء، إن الله على كل شيء قدير، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم، هدى به الله الإنسانية، وأنار به أفكار البشرية، وزعزع به كيان الوثنية، وعلى آله والتابعين لهم بإحسان.
ولما جلسنا مجلساً طله الندى جميلاً وبستاناً من الروض ناديا
أثار لنا طيب المكان وحسنه مُنىً فتمنينا فكنت الأماني
أمانينا في الحياة الدنيا أن نجلس مع الصالحين، فسلام الله على الصالحين ورحمته وبركاته، وأشكر أصحاب الفضيلة العلماء الذين هم أمامي الآن، والإخوة السامعين، وأشكر القائمين على هذا المؤتمر، أسأل الله أن يجري الحق على ألسنتنا، وأن يجعل ما نقول في ميزان الحسنات ولا يجعل في كلامنا ولا في مقاصدنا ولا في أعمارنا بغيره سبباً ولا نسباً، ولا يجعل لنا طريقاً إلى الرياء والسمعة.
أيها الإخوة الكرام! أيها المسلمون! كما سمعتم عنوان المحاضرة (آثار الذنوب والمعاصي) وما تهدمت الشعوب، ولا فسدت القلوب، ولا خربت الأسر، ولا تشتت الآراء، ولا تمزقت الأفكار إلا من الذنوب والمعاصي، وما بخست الأرزاق ولا قست القلوب ولا جفت العيون إلا من الذنوب والمعاصي، وما غضب الجبار ولا انتهت المغفرة من الغفار وما نزلت الحدود إلا للذنوب والمعاصي، وما أقيمت النار وما نصب الصراط وما أتى هناك محاسبة إلا مع الذنوب والمعاصي.
أيها الإخوة الكرام! آثار الذنوب كثيرة أوصلها بعض علماء الإسلام إلى ثلاثين أثراً أو عقوبة، ومن أحسن من تكلم في ذلك فيما أعلم الإمام الفذ ابن القيم رحمه الله تعالى ورفع درجته في الجنة في كتابه الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي، وأتحف شيخ الإسلام ابن تيمية، وتعرض لآثارها في المجلد العاشر من فتاويه، وتكلم في ذلك كثير من العلماء.
وأنا أجمل آثارها بثمانية آثار:
أولها: الضيق والهم.
ثانيها: حرمان الرزق.
ثالثها: نسيان العلم.
رابعها: البغض في قلوب الخلق.
خامسها: الوحشة بين العبد وربه.
سادسها: قسوة القلب أو موته.
سابعها: ضياع العمر.
ثامنها: عواقبها في الآخرة يوم يأتي الإنسان بلا توبة مفلساً من الخير.
أيها الإخوة! لقد كرر القرآن قضية كبرى أخذت مساحة شاسعة منه هي تقوى الله، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102].