أما عظم الصلاة وفضلها، فقد جاء في الصحيحين عن ابن مسعود قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أفضل الأعمال فقال: {الصلاة على وقتها} وعند الترمذي بسندٍ صحيح: {الصلاة في أول وقتها} وقال سبحانه: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت:45].
قال شيخ الإسلام عند شرح هذه الآية في الأجزاء الأخيرة من الفتاوى: أخطأ عامة المفسرين في تفسير هذه الآية {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت:45] وقال: للصلاة فائدتان ومنفعتان، أحدها: أنها تنهى عن الفحشاء والمنكر، والثاني: أن في الصلاة يقام ذكر الله فيها، وذكر الله في الصلاة أعظم من نهي الصلاة عن الفحشاء والمنكر، وبعضهم يقول: ولذكر الله أكبر من كل شيء، لكن لا صلة في الآية ولا مناسبة.
وهذا صحيح، وهو من فهمه رحمه الله، أي: أن ذكرك لله في الصلاة أعظم من نهي الصلاة عن الفحشاء والمنكر، أي فائدة أن تذكر الله عز وجل في الصلاة أعظم لك أثراً من نفع الصلاة في نهيها عن الفحشاء والمنكر.
يقول: وأما حديث: {من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر، لم يزدد من الله إلا بعداً} فحديثٌ باطل لا يصح، بل من صلى وارتكب الفواحش أقرب إلى الله ممن ارتكب الفواحش ولم يصلِّ.
وأما في السنة فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {الصلوات الخمس، والعمرة إلى العمرة، والجمعة إلى الجمعة، كفارات لما بينهن ما لم تؤت كبيرة، وذلك الدهر كله} وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيحين أنه قال: {أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله} وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {بين المسلم والكافر ترك الصلاة} وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر}.
قال ابن تيمية رحمه الله: لم يأتِ عنه صلى الله عليه وسلم تفريقٌ بين من تركها عامداً أو متهاوناً، لأن بعض الفقهاء -كما يدرس في بعض المدارس- يقولون: من تركها تهاوناً فهذا يستتاب، وأما من تركها عامداً فيقتل.
والمتهاون عندهم شيء، والعامد شيء، وهذا خطأ، فليس هناك متهاون ولا عامد، من ترك الصلاة فقد كفر، ما نقول: هل تركتها تهاوناً؟ ولا نسأله عن قلبه؟ ما تركها إلا بعد ما كفر بالله العظيم، فنمسح بالسيف على رأسه، هذا هو الصحيح، أما التفريق بين من تركها تهاوناً أو تكاسلاً أو عمداً فليس له أصل، لا من عند الرسول عليه الصلاة والسلام، ولا الصحابة، ولا أئمة المسلمين، فليعلم ذلك، وإنما هو تقسيمٌ استحدثه بعض الفقهاء.