عرض الشائعة على الكتاب والسنة ثم العقل

سابعة المسائل: كل شائعة لا بد أن تعرض على العقل، وإن كانت شرعية فلا بد من عرضها على الكتاب والسنة.

كشائعة مثلاً قد نشرت في بعض الصحف قديماً أن ميتاً خرج من قبره بعد ثلاث ليالٍ، وأكفانه على جنبه ومشى بين الناس، وصدق العوام بها، ولم يبحثوا عن أصلها، أو من أتى بها من الناس، وكشائعة مثلاً أن بعض الناس لما دفنوا شارب الدخان تحول عن القبلة، قالوا: غسلناه، فلما وضعناه في القبر حول الله وجهه، وجعل ظهره إلى القبلة فتحول عن القبلة، مع العلم أن آكل الربا والزاني وشارب الخمر أعظم إثماً من شارب الدخان، ولم ينقلوا عنهم أنهم حولوا عن القبلة، فانظر جرم هذا وجرم ذاك، وخطأ هذا وخطأ ذاك، وما وقع تحويل وجه هذا عن هذا إلا في شارب الدخان، والكتاب والسنة لا يدل على ذلك، ولا ينفيه صراحة لكن الأقرب أن نتوقف، ولا بد أن ننزل أهل الذنوب منازلهم، وأن نستقرء الأخبار؛ فإن من علامات القصة الموضوعة والحديث الموضوع أن يضخم الأجر على عمل بسيط، أو يضخم الإثم على جرم بسيط، وقد ذكرها السباعي في السنة ومكانتها في التشريع.

وأما الشائعات فالواجب عرضها على الكتاب والسنة: فمثلاً الأحاديث الباطلة الموضوعة التي فيها طوام ودواهي، فإنها تخالف أصول الكتاب والسنة، فمثلاً: الأثر الموضوع المكذوب على الرسول عليه الصلاة والسلام: {من قال: لا إله إلا الله بني له سبعون قصراً في الجنة} وغير هذا الأثر كثير، وأحسن من جمع في هذا الباب صاحب اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة للسيوطي والفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة للشوكاني وكشف الخفاء للعجلوني وتمييز الطيب من الخبيث لـ ابن الديبع الشيباني، وغيرها من الكتب.

ويذكر أن الإمام أحمد ويحيى بن معين كانا جالسين في المسجد - يحيى بن معين أعظم مجرح ومعدل في أمة الرسول عليه الصلاة والسلام حتى يقول بعضهم: لا نعلم منذ خلق الله آدم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها أكثر من رجل كتب في الرجال، أو جرح في الرجال، أو عدل في الرجال مثل يحيى بن معين، هذا دواؤه، وهذا طبه، وهذا علاجه.

ويقول ابن حجر: أعظم من يحفظ الأحاديث في أمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الإمام أحمد، صلى في مسجد -فقام أحد الوعاظ شحاذ يشحذ الناس- لكن يريد أن يقدم للشحاذة بموعظة مثلما يفعل الناس دبلجة، أي: فن ابتزاز الأموال من أيدي الناس؛ وهذا الفن مدروس من قديم، أن يأتي فيبكي أمامك ويتباكى، ويخبرك بالإسلام والدين، ثم بعد ذلك يلطخ خطبته بمسألة الشحاذة.

فقال: حدثنا أحمد بن حنبل - سبحان الله- لا يعرف الإمام أحمد، والإمام أحمد يفضحه في الصف الأول؛ إمام مليار مسلم الذي يحفظ ألف ألف حديث، إمام أهل السنة والجماعة، دامغة الدنيا، قال: حدثنا أحمد بن حنبل وحدثنا يحيى بن معين عن فلان عن فلان، ووضع سنداً من عنده أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: من قال لا إله إلا الله خلق الله له طائراً في الجنة منقاره من ذهب، ونونيته من زبرجد، وله جناحان من فضة، أو كما قال، يطير في الجنة من شجرة إلى شجرة، أو نحو هذا، ثم انتهى.

فقال الإمام أحمد: تعال-فظن أن الإمام أحمد يريد أن يعطيه نقوداً- فاقترب منه فقال أحمد بن حنبل: أنا أحمد بن حنبل وهذا يحيى بن معين ما حدثناك بهذا، وهذا الحديث باطل كذب، فانظر إلى شجاعة هذا الكذاب، قال: سبحان الله! كأنه ما في الدنيا إلا أنتم أحمد بن حنبل ويحيى بن معين، قد حدثت عن سبعة عشر أحمد بن حنبل وسبعة عشر يحيى بن معين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015