يأتي عامر بن الطفيل هذا خسيس مجرم، سيد قبائل بني عامر بن صعصعة، يقود ألف مقاتل، كل رجل منهم يمكن أن يذبح نفسه بنفسه في طاعة هذا المجرم الأمير، وكان يسمى ملاعب الأسنة.
فأتى هذا لـ أربد بن قيس أو لبيد بن ربيعة قال: ما رأيك نقتل محمداً أنا وإياك، قال: نقتله، قال: نذهب أنا وإياك فإذا وصلنا إلى المدينة أخرجناه من المدينة -يعني: الرسول- فإذا أصبح معنا في الصحراء فسوف أشغله بالحديث واقتل الرجل، فأخذا سيفين حادين ماضيين فسما السيفين حتى أصبحا سماً زعافاً، وخرجا إلى المدينة، فلما وصلا إلى الرسول عليه الصلاة والسلام قالا: يا رسول الله! نريدك في أمر فاخرج معنا بأمر مهم، فخرج بردائه لا سيف ولا عصى ولا حرس لكن عين الله ترقبه: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال:17] {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ} [آل عمران:160] {فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف:64].
دعها سماوية تجري على قدرٍ لا تفسدنها برأي منك منكوس
فيخرج إلى الصحراء فيقول عامر بن الطفيل تعال يا محمد اقرب مني، فاقترب عليه الصلاة والسلام، فأخذ عامر يحدثه ويشير إلى أربد وأربد هذا شاب من أشجع شباب العرب، سل السيف وراء الرسول صلى الله عليه وسلم وحمله يريد ضربه صلى الله عليه وسلم ويشير عامر بعينه لـ أربد يقول اضرب فيتوقف، فيحدثه ويشير فلا يفعل، فيحدثه فيشير إليه فلا يفعل حتى طال النهار، وبالأخير ودع الرسول صلى الله عليه وسلم وقال لـ أربد لا تصحبني أنت أجبن الناس، لا تزال جباناً حتى تموت شغلت الرجل عنك وما قتلته، قال: دعني من هذا ما رفعت السيف -ويحلف يميناً- إلا رأيت كالبرق يخطف بصري، ورأيت كأنك بيني وبينه أفأقتلك؟ فلما خرجا من عنده علم صلى الله عليه وسلم الاتهام والريبة، فرفع يديه إلى السماء وقال: {اللهم اكفنيهم بما شئت} فأما عامر ما وصل إلى قرية من القرى حتى نزلت غدة كبيرة كغدة البعير فغطت بطنه، فأخذ يخور كأنه الثور المنحور وهو بعيد عن أهله وقبيلته، يقول: غدة كغدة البعير في بيت امرأة سلولية يقول: أموت في بيت عجوز؟ فيركبونه على الفرس فيموت، أما أربد فخرج بناقته إلى السوق فيرسل الله عليه صاعقةً من السماء:
يا غارة الله جدي السير مسرعة في أخذ هذا الفتى يا غارة الله
فتحرقه وتحرق وجمله ورحله فيصبح في خبر كان:
لقد ذهب الحمار بأم عمرو فلا رجعت ولا رجع الحمار