بقي من هذه المسائل في هذه الجلسة مسألة توجيه الميت إلى القبلة في القبر، وسوف يأتي الكلام على الدفن -إن شاء الله- لكن قبل هذا كيف يدخل الميت إلى قبره؟
يدخل الميت إلى قبره من جهة رجليه -أي آخر القبر- لحديث عند أبي داود عن أبي إسحاق السبيعي قال: رأيت عبد الله بن زيد أدخل رجل القبر من جهة رجليه وقال: هذه السنة، فيدخل من أرجل القبر مما يلي أرجل الميت.
ويوجه الميت إلى القبلة لقوله عليه الصلاة والسلام في الكعبة: {قبلتكم أحياءً وأمواتاً} فيوجه على جهته اليمنى ويستقبل به القبلة ليكون مواجهاً ظاهراً وباطناً: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة:115].
لكن إذا علمت القبلة في مثل هذا الحال فعليه أن يوجه به إلى القبلة ليكون على الفطرة وليكون على منهج رسول الله عليه الصلاة والسلام.
والمريض من الأولى أن يوجه به إلى جهة القبلة عند سكرات الموت، مع العلم أن الأئمة مختلفون في هذا، فـ سعيد بن المسيب رحمه الله لا يرى التوجيه إلى القبلة لأنه يقول: إن لم يكن موجهاً عليها في الحياة فلا ينفعه عند الوفاة.
لكن الصحيح: أن يوجه عند سكرات الموت إلى القبلة؛ لأنها قبلتنا أحياءً وأمواتاً، ولأنه مقدم على الله عز وجل، وعلَّ الله أن يتداركه برحمته.
وبعض الناس يقوم عند القبر فيعظ الناس عن الموت أو عن ما بعده أو عن نعيم القبر وعذابه فهل هذا وارد؟
الصحيح: أنه وارد وأنه سنة، والبخاري عقد باباً في كتاب الجنائز: باب: الوعظ على المقبرة، وأتى بأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما دفنت زينب كما في حديث علي والبراء وعظهم وبكى صلى الله عليه وسلم ثم قال: {لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً} وكان الأئمة والسلف الصالح يعظون الناس على المقبرة، والذي يحذر منه عند المقبرة كثرة الضحك أو المزاح أو الكلام الذي لا يمت إلى طاعة الله ولا إلى تقواه وهذا من سوء الأدب إن لم يكن من قلة الدين نعوذ بالله من ذلك.