الصلاة على من عليه دين باهظ، هل يصلي عليه الإمام والمسلمون أم لا؟
يقول أبو قتادة في الصحيح: {تقدم صلى الله عليه وسلم ليصلي على رجل من الأنصار، فقال: أعليه دين؟ فقالوا: عليه ديناران يا رسول الله! فتأخر صلى الله عليه وسلم، وقال: صلوا على صاحبكم، قال أبو قتادة: أنا أحملها عنه يا رسول الله! -أي: أقضيها عنه- قال: فتقدم صلى الله عليه وسلم فصلى، ثم لقي صلى الله عليه وسلم أبا قتادة فقال: ما فعل دين صاحبك؟ قال: قضيته يا رسول الله! قال: الآن بردت جلدته}.
قال: أبو هريرة في الصحيح: {كان صلى الله عليه وسلم لا يصلي على من مات وعليه دين حتى فتح الله الفتوح} فكان يصلي ولا يسأل من عليه دين أو ليس عليه دين.
والصحيح: أنه يصلى على المسلم ولا يسأل هل عليه دين أم لا؟ لأنه لو توقف الصلاة على الذي ليس عليه دين ما بقي من الناس أحد لا يصلى عليه، ومن الذي يموت -إلا القليل النادر- وليس عليه دين، بل يصلى عليه ويترحم، وهو من الذين يقبل الله عنهم إذا كان مسلماً أحسن ما عملوا ويتجاوز عن سيئاتهم، ومن أخذ الدين من الناس يريد قضاءه قضى الله عنه، وإن أخذه يريد إتلاف أموال الناس أتلفه الله.
أما الصلاة على المنافق: فمن اشتهر نفاقه بين المسلمين وأصبح منافقاً له علامات، مثل: التكاسل عن الصلوات، أو بغض القرآن وآيات الله عز وجل، والحديث النبوي، ومجالس الخير، وأهل الالتزام والعلم والصلاح والاستقامة، فهذا لا يصلى عليه: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} [التوبة:84] وعقد البخاري باباً في ذلك.
أما صاحب البدعة فإنه لا يصلى عليه زجراً له، أفتى بذلك سفيان الثوري وفعلها مع كثير من المبتدعة، مع العلم أنه لو كانت بدعته خفية أو خفيفة وهو متلبس بها وليس على المسلمين ضرر فيها فالأولى أن يصلى عليه، لكن كثير من الأئمة تركوا الصلاة عليه زجراً له ولغيره من المبتدعة.
أما المنافق فلا يصلى عليه زجراً له وتأديباً وأداءً للواجب، لأن الواجب في حقنا ألا يصلى عليه، والرسول صلى الله عليه وسلم لما صلى على عبد الله بن أبي بن سلول أنزل الله عليه: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} [التوبة:84].
قال عمر رضي الله عنه: {وقف صلى الله عليه وسلم يصلي على عبد الله بن أبي فوقفت أمامه -وقف عمر أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يكبر- فقلت: يا رسول الله! أنسيت ماذا فعل بنا يوم كذا وكذا؟ أنسيت ماذا قال يوم كذا وكذا؟ فقال صلى الله عليه وسلم: غفر الله له، فأنزل الله عز وجل: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} [التوبة:84]} فما كان عليه الصلاة والسلام يصلي على أحد منهم بعذ ذلك وتركهم وما كان يقوم على قبورهم ولا يدعو لهم.
والعجيب أن عبد الله بن أبي أخرجه صلى الله عليه وسلم من قبره بعد أن توفي، وأتى ابنه عبد الله الرجل الصالح وقال: يا رسول الله! إن أبي كما علمت أساء إليك وأساء إلى الإسلام، وإني أخاف عليه من العذاب، وأريد أن تكفنه في ثوبك الذي يلي جسمك، وأبوه كافر لا يغفر الله له أبداً وهو خالد مخلد في النار؛ لأنه منافق كافر، فمن رحمته صلى الله عليه وسلم وإكرامه لهذا الشاب الصالح أن أعطاه ثوبه، حتى قال الإمام البخاري: باب: هل يخرج الميت بعد أن يدفن.
فأخرجه صلى الله عليه وسلم ووضع عليه رجليه ونفث في ثوبه صلى الله عليه وسلم، ثم خلع ثوبه الذي يلي جسمه رحمة منه وكفنه فيه، فقال الصحابة: يا رسول الله! تكفنه بثوبك!! قال: وماذا يغني عنه ثوبي -يعني ماذا ينفعه ثوبي لا يغني عنه شيئاً- لكن إكراماً لابنه؛ لأن ابنه كان له المواقف المشرفة في الإسلام.
ففي غزوة المريسيع لما تضارب رجل أنصاري ومهاجري قال عبد الله بن أبي: صدق الأول حين قال: جوع كلبك يتبعك، وسمن كلبك يأكلك، أشبعناهم -أي: المهاجرين- وآويناهم، والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، يعني: أنهم هم الأعزة والصحابة المهاجرون هم الأذلة، فسمع الرسول صلى الله عليه وسلم المقالة فسكت وأخبر بها عبد الله بن عبد الله بن أبي، فلما سمع ذلك وقف عند مدخل المدينة -وكان لها سور- فدخل صلى الله عليه وسلم ودخل المهاجرون والأنصار، فلما أتى أبوه ليدخل قال: والله لا تدخل، قال: ولم؟ قال: حتى يأذن لك رسول الله، قال: ولم؟ قال: لأنك الأذل ورسول الله صلى الله عليه وسلم الأعز، فأنت ذليل ورسول الله صلى الله عليه وسلم عزيز، فأخبر صلى الله عليه وسلم قال: أذنت له فليدخل، ثم أتى عبد الله إلى الرسول وقال: يا رسول الله! إن أبي فعل ما فعل، وسمعت أنك تريد أن تقتله، فوالله لا أرضى أن أعيش وأنا أرى قاتل أبي يمشي على الأرض، لكن دعني حتى آتي برأسه الآن قتيلاً، فقال صلى الله عليه وسلم: بل نترفق به ونصبر حتى يلقى الله.