هم أصحاب محمد عليه الصلاة والسلام رباهم على الحب، فيأتي عبد الله بن جحش أول من سمي بالأمير يوم أحد، فيقول: [[يا رب اللهم إنك تعلم أني أحبك - وهذا مهر البيعة- اللهم إن كنت تعلم ذلك فلاق بيني وبين عدو لك شديد حرده، قوي بأسه، فيقتلني فيك -ما قال: أقتله- فيبقر بطني ويجدع أنفي ويفقع عيني ويقطع أذني، فإذا قلت لي: يا عبدي لِمَ فُعِل بك هذا؟ فأقول: فيك يا رب]].
هل قتل أتباع استالين ولينين وهتلر على ذلك، كذب الأعداء الأخساء، كذب الدجاجلة، والله ما قادوا الشعوب إلا بالحديد والنار، أما رسولنا عليه الصلاة والسلام فقاد القلوب إلى الحي القيوم وهي تقيه من جراحات الأسهم وتحوطه بسياج من النور في أحد حتى تقع الأسهم فيها، وأحدهم يقول: نفسي لنفسك الفداء يا رسول الله.
أولاً: حب الله عز وجل وحب رسوله عليه الصلاة والسلام حباً صادقاً أكثر من الزوجة والأهل والمال والولد، ولذلك أحباب الله يسارعون إلى محاب الله، وفي حديث عند الطبراني من قوله عليه الصلاة والسلام: {يضحك ربك إلى ثلاثة -ولله ضحك يليق بجلاله لا نكيفه ولا نمثله ولا نشبهه ولا نعطله- أحد الثلاثة رجل حمله الحب سافر في قافلة وتعب في السفر، فلما نزل أصحابه قبل الفجر ناموا على الأرض، وأما هو فما نام، قام إلى الماء البارد فتوضأ واستقبل القبلة يبكي ويدعو ويناجي الواحد الأحد، فيقول الله لملائكته: يا ملائكتي! انظروا لعبدي هذا ترك فراشه الوثير ولحافه الدفيء وقام إلى الماء البارد يتوضأ ويدعو ويتملقني، أشهدكم أني غفرت له وأدخلته الجنة} أليس بحب؟ بل أعلى من كل حب.
في مذكرات لبعض الدعاة: أن شاباً مسلماً من بلاد الجزيرة العربية سافر إلى بلاد الإنجليز إلى لندن وهناك أعلن توحيده وأعلن صموده وأعلن إيمانه، لأنه خرج من بلاد الحرمين، من جزيرة التحدي للزنادقة وللملحدين، من جزيرة الإبداع والسمو والجمال والروعة والصفاء، وهناك سكن في بيت إنجليزي مع عجوز اضطر لذلك اضطراراً، وكان يقوم مع صلاة الفجر في البرد القارس المثلج إلى صنبور الماء فيتوضأ، وتلاحظه عجوز إنجليزية في البيت كل صباح، فتقول له: أمجنون أنت؟ قال: لا.
قالت: وكيف تقوم في هذه الساعة لتتوضأ؟ قال: ديني يأمرني بذلك، قالت: ألا تتأخر؟ قال: لو تأخرت لما قبل الله مني، فهزت رأسها وقالت: هذه إرادة تكسر الحديد.
من الذي أتى بهذه الإرادة وزرعها في القلوب؟ إنه محمد عليه الصلاة والسلام.
والفيافي حالمات بالمنى عجباً من قلبك الفذ الكبير
وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم تعاليمه لا تزال كالفجر لامحة لمن أراد أن يستفيد من تعاليمه.