وقفة مع المصطفى صلى الله عليه وسلم

الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفةً لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، والصلاة والسلام على من بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة.

اللهم صل وسلم على محمد ما تضوع مسك وفاح، وما ترنم حمام وناح، وما شدا بلبل وصاح.

سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

أنا من الأزد أنصار الرسول ولي وسيلة الحب إني من محبيه

دمي ودمعي مدادٌ في مدائحه وفيض قلبي يعفورٌ يناديه

أبي معاذ أناغي ورق دوحته حسان جدي سأبني في قوافيه

أنا الليلة لا أتكلم عن سياسي بل أعظم من الساسة، ولا عن اقتصادي بل أعظم من الاقتصاديين، ولا عن عالم بل أعظم من العلماء، ولا أتكلم عن زعيم بل أعظم من الزعماء، ولا عن أديب بل أعظم من الأدباء.

المصلحون أصابعٌ جمعت يداً هي أنت بل أنت اليد البيضاء

فإذا سخوت بلغت بالجود المدى وفعلت ما لا تفعل الأنواء

وإذا رحمت فأنت أمٌ أو أبٌ هذان في الدنيا هما الرحماء

فصلى الله وسلم على بطل الصحوة الرائدة، وأستاذ الصحوة الخالدة، وموجهها ومعلمها؛ فما اجتمعنا إلا على رسالته، ولا تآخينا إلا على منهجه، ولا تصافينا إلا على مبادئه الخالدة.

شكر الله لمن شاد هذا المسجد، وشكر الله لإمامه، وشكر الله لمن قدم المحاضرة، وشكر الله لكم حضوركم، ورفع منازلكم، وجمعنا بكم في مقعد صدقٍ عند مليك مقتدر.

تعالوا معنا ننظر كيف ربى رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه، كيف أخرجهم من النار.

يوم أتى زعماء الطين والتراب فسحقوا شعوبهم ليربوا منهم عبيداً وأرقاء وعمالاً وطبقات خافضةً مستعبدةً وجيوشاً مجندة، ربى محمد صلى الله عليه وسلم أصحابه على الحب.

يوم أتى استالين ولينين وهتلر يسحقون البشر ويعذبونهم ويحرقونهم.

قالوا هم البشر الأعلى وما أكلوا شيئاً كما أكلوا الإنسان أو شربوا

أتى محمد عليه الصلاة والسلام ليخرج من الأمة العربية البائسة الأمية أمةً ماجدةً رائدةً خالدةً: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [الجمعة:2].

يا قوميون: أين مدكم قبل الإسلام؟ أين تاريخكم قبل الرسالة الخالدة؟ طنطنتم في الصحف والمجلات، ودندنتم في الإذاعات بأن لكم مجداً قبل الإسلام، أمجد عنترة الإرهابي! أم مجد حاتم المشرف على الوثنية! أم مجد عبس وذبيان وداحس والغبراء!، لا.

إن البرية يوم مبعث أحمد نظر الإله لها فبدل حالها

بل كرم الإنسان حين اختار من خير البرية نجمها وهلالها

لبس المرقع وهو قائد أمةٍ جبت الكنوز فكسرت أغلالها

لما رآها الله تمشي نحوه لا تبتغي إلا رضاه سعى لها

فأمدها مدداً وأعلى شانها وأزال شانئها وأصلح بالها

كما ذكر أخي وزميلي المقدم: أن هذه الصحوة العارمة الرائدة تحتاج إلى موجه وإلى أستاذ وإلى بطل، وموجهها وأستاذها وبطلها محمد عليه الصلاة والسلام هو لا يزال يقود الركب بسنته حتى يسلم الأمة ويدخلها من باب الجنة عليه الصلاة والسلام، وإن هذه الصحوة رفعت الرءوس، فلك الحمد يا رب، ظن المستعمر أنه سوف يسحق شبابنا، وسوف يغريهم، وسوف يهاجمهم بالمرأة والكأس، فأبى الله إلا أن يتم نوره، ورد كيد المستعمر في نحره، وأقبلت وجوه الصحوة تسجد لله ويقول لسان حالها:

ومما زادني شرفاً وفخراً وكدت بأخمصي أطأ الثريا

دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيرت أحمد لي نبيا

أصول هذه المحاضرة خمسة أصول:

أولها: تربيته عليه الصلاة والسلام لأصحابه على الحب لله ولرسوله، حباً يقطع من أجله الجسم ويمزق من أجله شغاف الروح.

الأصل الثاني: تربيتهم على الشجاعة والإقدام، يقتحمون الأسوار ويسلمون أرواحهم للسيوف تمزقها لتدخل جنة عرضها السموات والأرض.

الأصل الثالث: الصراحة والوضوح، يأتي الطارف من الرعية والبدوي الأعرابي فيتكلم في حوار ساخن حار مع عمر وهو على المنبر ويقاطعه في الخطبة، ويستمع الجمهور لهذا الراعي مع هذا الفرد من الرعية بتربية محمد عليه الصلاة والسلام.

الأصل الرابع: اللين والرفق الذي سلكه محمد عليه الصلاة والسلام يوم قدم دعوته في أطباق الحب وعلى رياحين المودة وعلى باقة من الإخلاص والالتزام.

أما الأصل الخامس: فهو تربيته على الطموح وعلو الهمة، ولا يرضى أحدهم بالدنيا وقصورها وذهبها وسياراتها من أجل أن يبيع ولو طرفة عين شيئاً من مبادئه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015