Q
يظن الناس بي خيراً وإني لشر الناس إن لم تعف عني
وعندي من الخطايا والذنوب ما لا يعلمه إلا الله، ومع ذلك لا يعلمون ذلك، فماذا أفعل؟
صلى الله عليه وسلم أولاً: لا يشترط أن تخبر الناس بذلك، والمطلوب من المسلم أن يحسن ظن إخوانه به، وأن يحمد الله عز وجل على ستر الله، وأن يستمر دعاء ربه ومولاه أن يوفقه.
ثانياً: أن الذي يصلح بينك وبين الناس وينشر عنك الذكر الحسن والثناء الطيب هو الله، وذلك بأن تصلح ما بينك وبينه، فإنك إن أصلحت ما بينك وبينه نشر الله لك الحب والقبول والثناء الحسن، وإذا أفسدت ما بينك وبينه نشر الله لك البغض والشنعاء واللعنة والمقت، حتى يقول بعضهم:
فليتك تحلو والحياة مريرة وليتك ترضى والأنام غضاب
إذا صح منك الود فالكل هينٌ وكل الذي فوق التراب تراب
إلى آخر ما قال.
وعند ابن حبان {من أرضا الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس، ومن أسخط الناس برضا الله رضي الله عنه وأرضى عنه الناس}.
وقضية أخرى أنه ليس هناك أحدٌ معصوم يسلم من الذنب إلا الرسل عليهم الصلاة والسلام، فكلٌ له ذنب وكلٌ له خطأ وكلٌ له سيئة، لكن تب بينك وبين الله.
ثالثاً: ثم إنه لا يشترط -أيها الإخوة- أن الإنسان إذا عصى الله أن يقول للناس: لا تظنوا بي خيراً، بل إني عاص، فهذا ليس من منهج أهل السنة، بل يجب أن يستتر بستر الله ويفرح بحفظه، ويحمد الله عز وجل على أن أوجد له خيراً.
رابعاً: أنه قد يكون لك خير لا تدري أنت عنه، قد اطلع الله عليه وعلى سريرتك أنها خيرة، فنشر لك القبول والحب، وأنت لا تدري فبعض الناس يبلغ به سوء الظن بنفسه إلى درجة أن يحطم نفسه، ولا ينظر لنفسه إلا نظرة سوداوية من الوسوسة حتى تقول لأحدهم: أنت فيك خير، قال: لا.
ليس في خير لو تعلم ما عندي لما زكيتني، أقول: أراك تصلي الصلوات الخمس، قال: لا.
ولو، أراك تقرأ القرآن، قال: لا.
ولو، أراك تحب الله ورسوله، قال: لا.
ولو، فيسحق نفسه سحقاً ويحطمها تحطيماً.
وهذا ليس مطلوباً في الإسلام، لأن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يقول: {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً} [النور:21] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [النجم:32] انظر كيف يفترون على الله الكذب في آيات كثيرة، فأخبرنا سبحانه أنا أهل نقصٍ وتقصير، أما البيت الذي بدأ به الأخ فهو لـ أبي العتاهية وهو من أجود أبياته وهو ضمن أبيات يقول فيها:
إلهي لا تعذبني فإني مقرٌ بالذي قد كان مني
يظن الناس بي خيراً وإني لشر الناس إن لم تعف عني
وكم من زلةٍ لي في البرايا وأنت عليَّ ذو فضلٍ ومنِّ
إذا فكرت في ندمي عليها عضضت أناملي وقرعت سني
إلى أبياتٍ كثيرة، ويقول عبد الله بن محمد الأندلسي في قصيدته (أربِحِ البضاعة):
يا من سترت مثالبي ومعايبي وحلمت عن سقطي وعن طغياني
والله لو علموا قبيح سريرتي لأبى السلام عليَّ من يلقاني
وأبو نواس يقول:
إن كان لا يرجوك إلا محسنٌ فبمن يلوذ ويستجير المجرم
ما لي سواك وسيلة إلا الرجا وجميل عفوك ثم إني مسلم
ولما حضرت الشافعي الوفاة سالت دموعه فأنشد وقال:
ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي جعلت الرجا ربي لعفوك سلما
تعاظمني ذنبي فلما قرنته بعفوك ربي كان عفوك أعظما
وهذا أمرٌ عظيم، فإن الإنسان إذا ذكر رحمة الله وحلمه وكرمه تصاغر ما عنده من الذنوب، وإذا ذكر أخذ الله وبطشه وعذابه تقالَّ ما عنده من الحسنات، فالمؤمن يعيش بين الرجاء والخوف، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {حم * تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ} [غافر:1 - 3] والرجاء والخوف عند أهل السنة جناحان للطائر لا يطير إلا بهما، فأنت بين الخوف والرجاء.
نسأل الله أن يحفظنا وإياكم، وأن يجمع كلمتنا وأن يوحد صفوفنا، وأن يجمعنا بكم في دار الكرامة.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.