البذل والتضحية والتزود من الطاعة

الخامس من أسباب انتصاره وتفوقه: البذل والتضحية، بذلاً وتضحية كأنها من أساطير الأخبار لولا أنها حقائق، وكأنها من نسج الخيال غير أنها ثوابت، يقول الله له في القرآن: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً} [المزمل:1 - 2] فقام وما جلس، وجاهد وما استكان، قام ثلاثاً وعشرين سنة، ليله دموع وخشوع وبكاء، ونهاره صلاة وصيام وجهاد، وبذل وتضحية، ثلم في عرضه، وثلم في جسمه، وفي بيته، ورسالته، ومع ذلك يستمر ويضحي، ويدفع دمه ودموعه ووقته وماله عليه الصلاة والسلام.

إن على الدعاة الذين يدعون إلى الله على بصيرة؛ أن يعرفوا أنهم سوف يدفعون الثمن غالياً، والمهج والأرواح رخيصة في سبيل الله.

الرسول عليه الصلاة والسلام يُدمى عقبه، فيقول: {اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون} يروى أن ملك الجبال أتاه فقال: {أتريد أن أطبق على قريش الأخشبين، قال: لا.

إني أرجو الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئاً} فيخرج الله من صلب أبي جهل عكرمة، ومن صلب الوليد خالداً، ومن صلب فلان الميت فلاناً الحي: {وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ} [آل عمران:27] فتكسر ثنيته، ويُقتل أصحابه، ويُشرد من وطنه، ويكذب ويطارد ومع ذلك يرى أنه ما بذل شيئاً:

إن كان سركم ما قال حاسدنا فلما لجرح إذا أرضاكم ألم

وفي آخر المطاف بعد هذا البذل والتضحية يقول الله له: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً} [النصر:1 - 3] ولو بذلت فاستغفر الله، ولو أعطيت فاستغفر الله، إن مِنَنَ الله أعظم مما قدمت وأعطيت.

فيا معاشر الدعاة! مهما بذلتم وأعطيتم فإن نعم الله وأياديه أفضل وأعظم مما بذلتم وقد متم للأمة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015