وهو عالَم في الزهد، يقول الفيلسوف برناردشو: عجباً لمحمد على كومة من التراب، يتناول فنجان القهوة ويصلح مشاكل العالم، وهو لا يعلم أن القهوة اكتشفت بعد مبعثه عليه الصلاة والسلام، ولا يهمنا اكتشاف القهوة، ولكن يهمنا اكتشاف الحكمة والنور الذي حل به مشاكل العالم، والحق ما شهدت به الأعداء، فهو عالم في الزهد عليه الصلاة والسلام، يعيشه صلى الله عليه وسلم ويتعامل مع الناس.
مسكنه غرفة من الطين، وفي صحيح البخاري: {كان إذا أوتر يغمز عائشة رضي الله عنها وأرضاها فتكفكف قدميها ليجد مكاناً للسجود} و {يأتيه الملك بمفاتيح كنوز الدنيا فيقول: لا.
بل أجوع يوماً وأشبع يوماً حتى ألقى الله} فثوبه ثوب واحد.
كفاك عن كل قصر شاهق عَمِدٍ بيت من الطين أو كهف من العلم
تبني الفضائل أبراجاً مشيدة نصب الخيام التي من أروع الخيم
وعالم في الزهد، لا يجد أحياناً حفنة من التمر، هذا الإنسان عليه الصلاة والسلام الذي أدخل -بإذن الله- محبيه إلى حدائق الأندلس، وإلى ضفاف دجلة والنيل والفرات، لا يجد حفنة من التمر، هذا الرجل الذي ملك -بإذن الله- أتباعه ثلاثة أرباع الدنيا، وأتى هارون الرشيد وهو أحد أتباعه يقول للسحاب: " أمطري حيث شئتِ فسيأتيني خراجكِ بإذن الله " ولا يجد حفنة من التمر.
هذا الرجل دخل أحد أتباعه وهو قتيبة بن مسلم كابل الحزينة، التي ضيعناها يوم ضيعنا لا إله إلا الله، كابل التي ذهبت مع المرتزقة والزنادقة، يمزقون مصاحفها، ويدوسون كرامتها وعفافها وحياءها، كابل أرضنا، ووطننا وحبيبتنا، يفتحها قتيبة أحد أتباعه عليه الصلاة والسلام فيأتي إلى الأصنام فيحرقها لأنها عبدت من دون الله، قالوا لـ قتيبة: خذ الأصنام، وتاجر بها، قال: لا.
أصنام سُجد لها من دون الله تحرق، قال إقبال:
كنا نرى الأصنام من ذهب فنهدمها ونهدم فوقها الكفارا
هذا هو محمد عليه الصلاة والسلام.