هذا الرسول عليه الصلاة والسلام يعيش لحظات الحياة، ودقائق الزمن، وثواني الدهر، بما يجب أن تعاش، في الصلاة خاشع قانت أواب منيب؛ لأن الله قال: {وَمِنْ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً} [الإسراء:79].
وفي الجهاد رجل شجاع، ومقدام صنديد، وبطل بارز:
وقفت وما في الموت شك لواقف كأنك في جفن الردى وهو نائم
تمر بك الأبطال كلمى هزيمة ووجهك وضاح وثغرك باسم
{فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ} [النساء:84].
وعند الإنفاق، هو المنفق الباذل، السخي الكريم، كما قال ابن عباس في الصحيحين: {كان عليه الصلاة والسلام أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة}.
في الفطر، صبور متماسك محتسب، وفي الرقة والرحمة، صاحب الدمعة الحانية، والشفقة البالغة، إنه الإنسان عليه الصلاة والسلام، الداعية الذي يدعو إلى الله على بصيرة.
الإنسان الذي أتى إلى الأمة الضعيفة، المسلوبة المنهوبة المظلومة، فرفع رأسها بين الرءوس، فأنا وأنت، وأبي وأبوك، وجدي وجدك لم يكن لنا تاريخ، حتى أتى محمد عليه الصلاة والسلام:
إن البرية يوم مبعث أحمد نظر الإله لها فبدل حالها
بل كرم الإنسان حين اختار من خير البرية نجمها وهلالها
لبس المرقع وهو قائد أمة جبت الكنوز فكسرت أغلالها
لما رآها الله تمشي نحوه لا تبتغي إلا رضاه سعى لها
أمة وراء إمام هو محمد عليه الصلاة والسلام هي في خير: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الجمعة:2].
{هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:62 - 63].
أتى عليه الصلاة والسلام إلى أمة ترعى إبلها وبقرها وغنمها في الصحراء القاحلة، صحراء الجوع والظمأ واليأس، فأخرجها بلا إله إلا الله إلى ضفاف دجلة والفرات وبساتين الشام ومصر، وحدائق الأندلس، وملاعب الهند والسند، فكبرَّت هناك وأذَّنت وصلت، وخرجت من الجزيرة، لا بطائرات ولا دبابات، ولا صواريخ بل خرجت بلا إله إلا الله.
من ذا الذي رفع السيوف ليرفع اسمك فوق هامات النجوم منارا
كنا جبالاً في الجبال وربما صرنا على موج البحار بحارا
بمعابد الإفرنج كان أذاننا قبل الكتائب يفتح الأمصارا
كنا نرى الأصنام من ذهب فنهدمها ونهدم فوقها الكفارا