إن عظمة عمر تأتي من أنه الإنسان البسيط البسيط لكنه العظيم العظيم، والمتواضع المتواضع لكنه الكبير الكبير، والضعيف الضعيف لكنه القوي القوي، فهذه الأعجوبة في سيرة عمر.
يقول طلحة بن عبيد الله: [[خرجت وراء عمر رضي الله عنه وأرضاه, وقد دخل بيتاً فدخلت بعدما خرج, فوجدت عجوزاً عمياء -وابن القيم يظنها قصتان, أو قصة وقعت لـ أبي بكر، لكن أهل التاريخ يقولون: إنها لـ عمر - قال: فدخلت فوجدت عجوزاً عمياء حسيرة كسيرة في البيت, فقال: من أنتِ؟
قالت: امرأة عجوز ليس لي عائل، قال: من هذا الرجل الذي يأتيكم؟
قالت: رجلٌ ما عرفته، قال: ماذا يصنع؟
قالت: يقُمُّ بيتنا -أي: يكنسه- ويصنع لنا إفطارنا, ويحلب لنا شياهنا، قال: أما عرفتيه؟ قالت: لا، فجلس طلحة يبكي ويقول: أتعبت الخلفاء بعدك يا عمر]].
إن عمر لا يرضى أن يسكن قصراً عاجياً، وتبقى أرامل الأمة ومساكينها وأيتامها في البرد والجوع والفقر والمرض.
سقى الله ذاك اللحد دمع غمامة إذا راعها برق الشمال استهلت
على خير مدفونٍ وشهم ممزق سعادتنا من بعده قد تولت
يرى عمر أن الناس لا تكفيهم المحاضرات، ولا يشبعهم الكلام، ولا يستأنسون بالحديث ما لم يروه فعلاً، يقول أبو العتاهية:
العنز لا تشبع إلا بالعلف لا تشبع العنز بقولٍ ذي لطف
العنز لا تشبع إلا بالعلف، تعرفون العنز؟
فالعنز لا تشبع بالمحاضرات، فلو ألقيت محاضرة على عنز ولم تطعمها قاطعتك في وسط المحاضرة، فـ عمر لا يريد أن يُشبع الناس كلاماً، وإنما يُشبعهم رحمة وتواضعاً وعدلاً وإنصافاً، حينئذٍ يكون عمر صادقاً مع الله، وهذا منهجه في الحياة، أن يشبعهم تطبيقاً وعملاً لا يشبعهم كلاماً.