الحذر من أسباب الزيغ

(وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار) بعد ما يتشبع المسلم بالإيمان، أو المؤمن بالإيمان والمسلم بالإسلام؛ لابد أن يعتقد أنه لو نصب له في مكان أو في قمة ووضع تحت تلك القمة نار تتلظى ثم رمي من هذه القمة إلى النار أو أن يعود عن دينه لاختار هذه النار، وهذا مثال تقريبي قربه علماء السلوك وأرباب القلوب، قالوا: يجعل الإنسان في مخيلته هذا المثال أن يضع الإنسان في واد من الأودية نار تتلظى وتستعر، ثم توضع أنت في رأس هذا الجبل وترمى، وتخير بين أن ترمى في النار أو تعود عن دينك فتختار النار بدون العودة إلى الكفر -نسأل الله السلامة-، ولذلك يقول سبحانه وتعالى في مدح المؤمنين أنهم كانوا يقولون: {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران:8].

ولذلك يقول سبحانه وتعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:27] فلذلك ينبغي على الإنسان -كما ثبت في الصحيح- أن يقول في كل سجود: {يا مثبت القلوب ثبت قلبي على طاعتك، يا مصرف القلوب والأبصار صرف قلبي إلى طاعتك أو على طاعتك} فبهذا الدعاء والإلحاح وصدق اللجأ يثبتك الله ثباتاً لا تنحرف بعده أبداً.

وأسباب الزيغ، أو محبة الكفر أو الرجوع إلى الكفر أسباب قد أجملتها في درس سبق، لكن من أسبابه: محبة الزيغ، لأن بعض الناس لمحبته الفساد؛ ومداولة الفساد يتركه الله ونفسه، وهذا هو الخذلان، الخذلان أن يتركك الله وهواك، يقول الله سبحانه وتعالى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [الصف:5].

ما أزاغ الله قلوبهم حتى زاغوا هم، ولذلك تجد أهل المعاصي إنما هم الذين زاولوا أسباب المعاصي فجلسوا مع السيئين، وسمعوا الأسباب الموصلة، أو زاولوا الأسباب الموصلة إلى المعصية: كسماع الغناء، واللهو، والفحش، والعهر، فوقعوا في الفاحشة، ثم من الفاحشة انتقلوا إلى الشبه والشكوك، ثم من الشبه والشكوك إلى النفاق أو الكفر -نسأل الله السلامة- قال الله تعالى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [الصف:5]

وهذه مشيئة الإنسان التي هي تحت مشيئة الرحمن، ولا يعترض الإنسان بحجة القضاء والقدر فهذا في جانب لا يدخل فيه.

يقول ابن تيمية لرجل: "لماذا لا تستقيم؟ "

قال: لأن الله لم يقدر علي أن أستقيم، قال: "فلماذا تعصي الله" قال: لأن الله قدر علي أن أعصيه، قال: "سبحان الله! جبري في المعصية قدري في الطاعة" فهذا بعض الناس يحتج بالقضاء والقدر في هذا الجانب ولا يحتج به في جانب آخر، بل لك مشيئة، وأنت تعرف أنك إذا سلكت الطريق المستقيم أوصلك إلى الله سبحانه وتعالى، يقول الله تعالى: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [الأنفال:23].

يقول: لو يدري سبحانه وتعالى -وهو يدري- أنه لو كان فيهم خير وبر ورشد ونصح للإسلام والمسلمين لأعطاهم الله من الخير: لكن لما علم الله إعراضهم عنه تركهم وهواهم، ولو أسمعهم؛ لتولوا وهم معرضون، ولذلك يتعجب الإنسان من بعض الناس يسمع الآيات والأحاديث والمواعظ التي تبكي لها الجبال والصخور ثم لا يهتز ولا يتأثر وسيرته هي نفسها وما تغير أبداً لا في أمسه ولا في يومه ولا في غده، وسبب هذا أنه هو الذي يريد أن يزيغ ويريد الانحراف ويشجع على الانحراف، فمن التشجيع على الانحراف، أن بعض الناس إذا جلس في مجلس من مجالس المنحرفين، فيمجد بعض الانحراف ويسميه حرية، ويلصق التهم بأهل الخير وأهل الاستقامة وأولياء الله عزوجل، هذا اعلم أن فيه انحراف وأن خاتمته سيئة إن لم يتداركه الله.

هذه آيات التثبيت في كتاب الله عز وجل، فالحديث كما سمعتم: {ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار}.

هذا وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015