Q فضيلة الشيخ! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا شاب أحب أن يكون لي دورٌ في المجتمع بالخطابة، ولكني أجد في نفسي العجز عن ذلك، فكيف العمل حتى أصل إلى هذا الهدف الطيب؟ وجزاك الله خيراً.
صلى الله عليه وسلم الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أمَّا بَعْد:
أولاً: سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
يا رياض الخير قد جئت وفي جعبتي أبها للقياك تسامى
حلفت لا تشرب الماء ولا تأكل الزاد ولا تلقى مناما
أو ترى الأحباب في نجد فإن لم تجدهم صار ممساها حراما
فسلام الله أهديه لكم يا رجال النبل في نجد الخزامى
أنا قد أحببتكم في الله ما كان قلبي في سواه مستهاما
أما هذا السؤال، وهو أن الأخ يسأل: كيف يكون خطيباً مصقعاً، حذقاً، موجهاً في الأمة؟
الخطابة هي قبل كل شيء موهبة من الله عز وجل، ولكنها تتعلم، وهناك وسائل تحسين، وتدريب، ورياضة، حتى يصل الإنسان إلى مبتغاه، والمقصد أن المسلم ينبغي أن يقصد بعمله وجه الله عز وجل، والله تبارك وتعالى يوزع على الناس المواهب والتخصصات، فكل واحد له تخصص، بعضهم كاتب، والآخر خطيب، والثالث شاعر، والرابع مفتي.
فالمقصود أن تخدم الإسلام بالدعوة أينما كانت الدعوة، فالصحابة رضوان الله عليهم لم يكونوا كلهم علماء، ولا مفتين، ولا خطباء، وإنما كان فيهم الخطيب كـ ثابت بن قيس بن شماس الذي استخدم خطابته في نصرة لا إله إلا الله، وفي الدعوة إلى لا إله إلا الله، ومنهم من ليس بخطيب ولكنه مقاتل كـ خالد بن الوليد سيف الله المسلول، فاستخدم سيفه في نصرة الإسلام، ومنهم الشاعر كـ حسان فقد أخذ القوافي يرسلها كالصواعق على رءوس الملاحدة والزنادقة والفجار.
إذاً: فعليك أن تعرف تخصصك الذي يمكن أن تخدم الإسلام به، فإن الله عز وجل سوف يسألك عما وهبك من الكتابة، أو من الخطابة أو من العلم، فأخلص مقصدك لوجه الله عز وجل.
أما الخطابة فتعتمد على الأمور الآتية:
أولاً: على الجرأة، ولذلك يقول ابن قتيبة في عيون الأخبار: "الخطابة عند العرب تبنى على الجرأة، وهي أن تكون جريء القلب ثابت الجنان شجاعاً؛ لأن مقابلة الصفوف ليست بسهلة، ومقابلة الناس أمر صعب، فهذا يأتي بالدربة فعليك أن تدرب نفسك على الخطابة، وعلى الإلقاء، وعلى الدعوة إلى الله عز وجل، وأن تخرج إلى القرى، وإلى الضواحي، فتدعو الناس هناك، فسوف يرزقك الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى، القبول وسوف يهدي على يديك، وسوف يكون لك باع في الخطابة.
ويؤثر أن عبد الملك بن مروان ذكر عنه في تراجمه أنه سئل عن سبب شيبه فقال: صعود المنابر وخوف اللحن.
وذكر ابن الجوزي في كتاب الحمقى والمغفلين "أن أحد الخطباء استقل المنبر ليتكلم، فأراد أن يقول: إن الله خلق السموات والأرض في ستة أيام، فقال: إن الله خلق السموات والأرض في ستة أشهر، فرد عليه الناس، فقال: والله لقد تقاللت ستة أشهر وأردت أن أقول ست سنوات"فأولها الجرأة.
ثانياً: التحضير، وفي صحيح البخاري أن عمر رضي الله عنه وأرضاه لما ذهب إلى سقيفة بني ساعدة، قال: [[فزورت كلاماً في صدري]] أي: هيأه ليتكلم به عند الأنصار في سقيفة بني ساعدة.
فعلى الخطيب إذا أراد أن يتكلم أن يحضر العناصر في ذهنه أو الموضوع، ويحفظ الآيات والأحاديث، ولا يرتجل من غير تحضير، فيأتي بكلمة من البر وكلمة من البحر.
ثالثاً: بل هو أن يخلص، وأن يدعو الله، ويسأل الله القبول والصدق، فإنه الذي يفتح سُبحَانَهُ وَتَعَالى، ولذلك ذكر عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، أنه كان إذا أراد أن يتحدث قال: "اللهم أنت عضدي ونصيري، بك أصول، وبك أقاتل، وبك أحاول، وكان يكثر من الاستغفار كثيراً ليفتح الله عليه.
رابعاً: على الخطيب أن يستقرئ أحوال الناس، فيعرف المقام الذي يتكلم فيه، فلا يخاطب أناساً في موضوع ليسوا بحاجة إليه، كأن يذهب إلى أهل البادية الذين لا يعرفون التوحيد، وهم واقعون في الشرك، فيتكلم في البنوك الربوية، وليس عند أهل البادية بنوكٌ ربوية ولا هم يحزنون، أو يأتي إلى مجتمعات في الضلال مرتكسة، فيتحدث لهم في جزئيات.
إنسان لم يسلم، ولم يعرف لا إله إلا الله ولا أنواع التوحيد، فيتحدث له عن إسبال الإزار وعن تحريم حلق اللحى.
خامساً: أن يراعي الموقف، فيعطي الناس ما يشتهون، فإن كان في خطبة جمعة فعليه أن يقصر ويوجز، وأن يطرق الموضوعات المهمة، وإن كان في درس فعليه أن يطيل وأن يتوسع بقدر الحاجة.
ثم مسألة الصوت، ومسألة النبرات، ومسألة النغمات هذه أمور أخرى.
ومن أحسن من كتب في الخطابة، كتاب الخطابة مفهومها ودلالتها للشيخ محمد أبي زهرة، وهو من أحسن الكتب في ذلك لولا بعض الملاحظات عليه.