سابعاً: ومن واجبنا أيضاً خطباء وأئمة ودعاة أن نعري الباطل، وأن نمرغه في التراب وهو أحسن ما يكون، كما فعل شيخ الإسلام طيب الله ثراه، فالذي جعله يحبس وجعل الحديد ووزنه أربعة كيلو في يديه هو تعريته للباطل، وتمريغه للباطل لقد مرغ الجهمية والمعتزلة والبطائحية والاتحادية والحلولية والزنادقة، والحكم الفاشل المنهار الذي يحكم بغير ما أنزل الله عز وجل، ولذلك كان مصير ابن تيمية أن يبقى في الأذهان حياً، ويبقى علمه خالداً، بخلاف غيره من العلماء الذين جمعوا المختصرات في الحواشي، فما زادوا على ما وجدوا إلا أن جمعوا، ولذلك مات بعضهم بموته، ولم يبق له إلا الأثر أي: المخطوطات التي تركها مثاباً عليها، أما العلم الحي المتدفق الذي يتركه ابن تيمية فهو العلم الذي يجب أن نحمله نحن لنحقق للإنسان سعادته ويكمن في تمريغ الباطل: {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} [الأنعام:55].
ولا يقل أحد من الناس: إني تدخلت فيما لا يعنيني إذا مرغت الباطل، بل مما يعنيك أن تمرغ الباطل، فإن الله عز وجل أول ما بدأ في سورة البقرة أنه مرغ بني إسرائيل، حتى يقول سيد قطب: لا بد من هذا النسف والإبادة والتدمير لبني إسرائيل.
أذكر قصة في رمضان في قرية من القرى، يقول أحد الأئمة: صليت بهم في التراويح وكان معنا شيخ كبير عامي، فقرأت بهم البقرة، واستمرينا إلى سابع ليلة، فالتفت الشيخ فسلم عليَّ بعد الصلاة، قال: أين القرآن الذي نزل على محمد صلى الله عليه وسلم؟ هذا القرآن كله لبني إسرائيل ما سمعنا القرآن إلا يتكلم عن بني إسرائيل، قال: فرجعت إلى بعض التفاسير ووجدت كلام سيد قطب، يقول: لا بد من هذا النسف والإبادة والتدمير لهم، يقول أهل العلم: لابد من التخلي قبل التحلي، قبل أن تعلن فكرتك لا بد أن تزيل الأفكار الموجودة، فالله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بدأ فنسف بني إسرائيل وأفكارهم ومعتقداتهم الباطلة المدمرة، ثم أتى إلى النصارى وبكتهم، ثم أتى ورد على المانوية.
وكثير من أهل العلم يقول: إنه رد على المانوية في أول سورة الأنعام، وعلى كل مذاهب الأرض، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعام:1].
قالوا: رد على اليهود والنصارى والمانوية، أما المانوية ففي قوله تعالى: {وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} [الأنعام:1] لأن المانوية تقول: إله الخير النور وإله الشر الظلمة، وتجرد الله من الألوهية، حتى يقول المتنبي لـ سيف الدولة:
فكم لظلام الليل عندك من يد يحدث أن المانوية تكذب
يقول: أنت تنتصر في الليل، والمانوية تقول: الإنسان لا ينتصر، وأنت دست أعداءك في الليل وقطعت رءوسهم في الليل، سيف الدولة هذا البطل، قال:
فكم لظلام الليل عندك من يد يحدث أن المانوية تكذب
الشاهد من هذا أنك إذا أردت أن تعرض فكرتك:
أولاً: أزل الأفكار المنحطة، جنبها طريقك، ولذلك فعل سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في القرآن، قال تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً} [الفرقان:1] انظر للتخلية: {الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً * وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً} [الفرقان:2 - 3] ثم أثبت سُبحَانَهُ وَتَعَالَى الألوهية لنفسه.