الدعوة إلى الله بأسلوب حسن

قال سبحانه: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل:125] أن نرحم الناس، وأن نشفق عليهم، لماذا نبقى في مساجدنا والناس يتهالكون؟

ولماذا نبقى والمعاصي قد طمت وعمت؟

أما نخشى أن يأتينا أثرها ونحن في منازلنا؟ لا إله إلا الله! إن واجبنا أن نأتي بأسلوبٍ أتى به محمد عليه الصلاة والسلام: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159] وقال سبحانه: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل:125] وقال عز وجل: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ} [فصلت:33] إلى الواحد الأحد، الناس يدعون إلى كياناتهم وأساليبهم، وإلى راياتهم وقوانينهم، أفلا تدعو أنت إلى الله!

يقول الشيخ عبد الله عزام رحمه الله، وقد سمعت منه هذا الكلام مباشرة قال: كان في أفغانستان امرأةٌ مسيحية نصرانية أتت تبشر بـ المسيحية في رأس جبل، معها جهاز آريال وهي على الثلج تنام مع البعوض، وتستيقظ مع الجوع والظمأ وهي تنشر المسيحية في أرض أفغانستان، قلنا: أين شباب الإسلام؟ أين دعاة الحق؟ أين علماء الدعوة؟ أين خلفاء محمد عليه الصلاة والسلام؟ أين الذين يدعون إلى الله عز وجل؟ أين الداعون؟ لقد خلوا إلا القليل، ولقد سكتوا وأخرسوا لا أدري ماذا يقولون للواحد الأحد يوم العرض الأكبر؟!

يقترح بعض العلماء، يقول: لو أتى كل شاب مستقيم ونزل إلى السوق والشاطئ، وإلى كل مكان اللهو، فدعا شاباً أو رجلاً إلى المحاضرة أو الدرس أو الهداية لكان العدد قد زاد ضعفه، وهكذا حتى يهتدي الناس، وهذا اقتراح جميل، وإنما المقصود: كيف نقدم هذا للإسلام؟

أولاً: كل من أعرض عن الله فهو على فطرة الله التي فطر الناس عليها، والواجب علينا أن ندعو الناس مشفقين، لا مؤنبين، ولا جارحين، ولا مضاربين، ولا مهاترين، ولا شاتمين، ولا سابين.

محمدٌ هو بأبي وأمي عليه الصلاة والسلام، جرحت أقدامه، وسالت دماؤه، قد جرحها المشركون، أخذ يقول: {اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون} أتاه ملك الجبال عند دخوله مكة قال: {أتريد أن أطبق عليهم الأخشبين؟ قال: لا.

إني أرجو من الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به شيئاً} وحقاً صبر عليه الصلاة والسلام.

عجباً من قلبك الفذ الكبير

والفيافي حالماتٌ بالمنى تتلقاك بتصفيق مثير

أخرج الله من صلب الوليد بن المغيرة خالد بن الوليد، الذي قاد مائة معركة، وأبلى في الإسلام بلاءً حسناً، وقدم دموعه ودمه ووقته في خدمة لا إله إلا الله.

وأخرج الله من صلب أبي جهل عكرمة بن أبي جهل الذي أتى في اليرموك رضي الله عنه وأرضاه، فلما التقى الجمعان الإسلام والكفر، والضلال والحق، خرج فاغتسل فلبس أكفانه، وقال لأصحابه: [[أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه! هل لكم وصية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟]] قال الجيش: بلِّغه عنا السلام، فأخذ السيف وخاض المعركة، وقتل وهو في الرمق الأخير، يعطيه خالد بن الوليد الماء ليشرب، فيقول: اعطه أخي المسلم، جريح آخر فيعطونه الجريح الثاني فيرفض إلا أن يشرب أخوه، فيأتون إلى الأخ الثالث فيرفض، فيعودون بالماء إلى عكرمة فإذا هو قد فارق الحياة.

عفاءٌ على دنيا رحلت لغيرها فليس بها للصالحين معرج

كدأب علي في المواطن كلها أبي حسن والغسل من حيث يخرج

قال: فحوله خالد إلى الآخر فوجده قد مات، ثم الثالث فوجده قد مات، فبكى خالد حتى سمع صوت البكاء، ثم رمى الكوب من يده وقال: [[اسقهم من جنتك؛ فإنهم قد خرجوا في سبيلك، اللهم اجمعنا بهم في الجنة]] قومٌ بذلوا مهجهم.

والشاهد أن محمداً عليه الصلاة والسلام تحمَّل وصبر حتى قدم إسلاماً بديعاً للناس، يقول الله له: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4] عظيمٌ خلقه، وعظيمٌ صبره، قاتله أقاربه وجرحوا مشاعره، وضربوا بناته، وآذوه وسبوه وشتموه، وأخرجوه من دياره، وفي الأخير لما انتصر وفتح مكة طوق الحرم بالجيش، فقال لكفار مكة: {ما ترون أني فاعلٌ بكم؟ فتباكوا، وقالوا: أخٌ كريم وابن أخٌ كريم، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء} غفر الله لكم بل رفع الله منزلتك، وأتاك الله الوسيلة، حتى يقوم أبو سفيان أمامه يبكي، ويقول: [[لا إله إلا الله ما أرحمك! ولا إله إلا الله ما أبرك! ولا إله إلا الله ما أوصلك!]] وأتاه أبو سفيان بن الحارث ابن عمه بعد أن فر بأطفاله؛ لأنه آذى الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال علي بن أبي طالب: إلى أين تسير يا أبا سفيان؟ قال: أخرج إلى الصحراء، فأموت أنا وأطفالي جوعاً وعرياً وعطشاً، قال: ولماذا؟ قال: إن أدركني محمد قطعني بالسيف إرباً إرباً، قال: عد إليه وسلم عليه بالنبوة وقل له كما قال إخوة يوسف ليوسف: {تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ} [يوسف:91] فعاد إليه، ووقف على رأسه وسلَّم عليه، وقال: يا رسول الله! {تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ} [يوسف:91] فرفع عليه الصلاة والسلام طرفه وقد اعتلت الدموع على محياه الجميل وقطرت لحيته بالدموع:

إذا اشتبكت دموعٌ في خدودٍ تبين من بكى ممن تباكا

فقال عليه الصلاة والسلام: {لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين}.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015