يا مسلمون! يا صادقون! يا صائمون! يا مصلون!
اسمعوا إلى كلام الله تبارك وتعالى وهو يتحدث لنا عن قرية نامت في جفن البحر، جاورته، ولكنها ما وقرَّت وما عظَّمت رب البر والبحر، وما استحت من الله، قال تعالى: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [الأعراف:163 - 166].
هذه القرية! مسكينة بائسة، هالكة عاصية! قرية جحدت معروف الله، وتنكرت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
قريةٌ عطَّلت أوامر الله كما تفعل بعض القرى، قرية كانت تجاور البحر {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ} [الأعراف:163] لكن أسلوب القرآن عجيب ورائعٌ وبديع، هذه القرية من قرى بني إسرائيل، اجتمعت عند البحر واجتمع أهلها على المعصية.
حرَّم الله عليهم صيد السمك يوم السبت لحكمةٍ أرادها الله، وعندنا اليوم ليس سمك، بل أغلى من السمك، أعراض تنتهك، وعيونٌ تنظر، وغناء، وخمر، وسُكرٌ، وتخلف عن الصلاة، ليست المسألة مسألة سمك، المسألة مسألة دينٌ يُسحق بالشاطئ، وأمرٌ بالمعروف ونهيٌ عن المنكر لا يقام، ولا إله إلا الله تجرح مشاعرها، القضية أعظم من صيد السمك، القضية صيد نساء وفتيات، وصيد أعراض وهدم بيوت، وجرح مشاعر.
حرَّم الله عليهم صيد السمك يوم السبت، ولكن الخبثاء الأخسة، الحقراء الأذلة؛ فجروا من البحر طرقاً ليوم الأحد حيلةً على الواحد الأحد، يضحكون على الله! ويستهزئون به، يخادعون الله وهو خادعهم! فكانت الأسماك تمر يوم السبت؛ فإذا دخلت إلى الخنادق والأخاديد أغلقوا الماء، ثم صادوها يوم الأحد، فلما فعلوا ذلك انقسم الناس ثلاثة أقسام: قسمٌ شاركهم، وقال:
وهل أنا إلا من غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشد
كما يفعل بعض الماجنين اللاهين يوم يرى أهل المعاصي كُثر، فيقول: ضع رأسك مع الرءوس، واجعل نفسك مع هؤلاء، والله غفور رحيم، والبلد كله من هذا الصنف، والناس فعلوا كذا فافعل فعلهم، وهؤلاء لا يحملون عقلاً ولا وقاراً ولا حياءً من الله فماتت قلوبهم.
وفي الحقيقة! أصبح الإيمان في قلوبهم متلاشٍ، سخروا من الله فسخر الله منهم.
وصنفٌ ثانٍ بارد، يعيش لنفسه، لا يرى (لا إله إلا الله) أن لها حقاً عليه، يعيش لخبزه وطفله وحذائه، جالسٌ في بيته ساكت، يقولون للدعاة: لم تعظون قوماً الله مهلكم أو معذبهم عذاباً شديداً؟
يقولون: الناس هالكون اتركوهم، أنت وشأنك، والناس وشأنهم (دع ما لله لله، ودع ما لقيصر لقيصر) ما عليك، الله لا يسألك إلا عن نفسك، وهؤلاء أهل السلبية الذين سوف يحاسبهم الله على ما عطلوا من أمرٍ بمعروف ونهيٍ عن منكر.
وقامت طائفة ثالثة بيضَّ الله وجوههم: أهل لا إله إلا الله، أهل الرسالة، أهل الحياة الخالدة، الذين نوَّر الله بصائرهم في الدنيا والآخرة، قالوا للعصاة: قفوا أيها الضُّلال! إن الهلاك سوف يعمنا فما هي النتيجة؟
يقول أحد الكتبة من المتأخرين: قرية عفا عليها الزمن لما دكدكها الله، وأسدل عليها الهوان والدمار إلى يوم يلقونه، أرسل الله عليهم عذاباً ونكالاً، فمسخهم قردةً وخنازير.
هؤلاء هم أهل المعصية! أهل الشاطئ! أهل الانحراف الذين ما عظَّموا الله، ولا شعروا بوقارٍ لله، والشعور بوقار الله من أسس الإسلام، بل هو من العقيدة الحقة، قال نوح عليه السلام: {مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً * أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً * وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجاً * وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتاً} [نوح:13 - 17] مالكم لا تحترمون الله.