الفائدة الخامسة: هي الحث على المشورة وقبولها من أهل العلم، والفهم والخبرة، فإنه (ما خاب من استخار الله عز وجل وما ندم من استشار المخلوقين) وكان أكثر الناس استشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم، في كبير الأمور وصغيرها، وفي دقيقها وجليلها، ولذلك يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران:159] فإذا أراد الإنسان أن تقبل عليه الأمة وترضى به القلوب فليشاور أهل الخبرة وأهل الخير والصلاح، فإنهم لا يشيرون عليه إلا بالخير والصلاح إن شاء الله، ومن أمانة المؤمن لأخيه أنه إذا استنصحه أن ينصح له، وألا ينصحه إلا بما فيه الخير، وقال عز من قائل: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى:38] استشار عليه الصلاة والسلام الناس يوم بدر كما تعرفون، وعدل عن رأيه صلى الله عليه وسلم، وهو صاحبنا في هذه الليلة وسوف يمر معنا لأنه هو الذي يقول: [[أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب]] وهو الذي يقول: [[منا أمير ومنكم أمير]] وهو من سادات الأنصار، قال الحباب: {يا رسول الله! هذا المنزل منزل أنزلك الله إياه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ فقال عليه الصلاة والسلام: بل هو الرأي والحرب والمكيدة، فقال: يا رسول الله! هذا ليس برأي، اجعل الماء وراء ظهرك كله، فنشرب ولا يشربون} فدعا له صلى الله عليه وسلم بالخير، فنزل في ذاك المنزل.
واستشار عليه الصلاة والسلام أقاربه لما اتهمت عائشة رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، الطاهرة بنت الطاهر المبرأة من فوق سبع سموات لما اتهمت في عرضها، استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد، واستشار الجارية، فأما الجارية فقالت: والله ما علمت إلا خيراً، كانت تغفل عن الداجن فتأكل العجين، يعني من غفلة عائشة ومن نقاوة قلبها، وطهارتها تغفل حتى عن عجينها، واستشار أسامة فقال: [[ما علمت إلا خيراً أحمي سمعي وبصري]] واستشار علي بن أبي طالب -وكان من عصابته ومن لحمته- فقال: النساء غيرها كثير.
قد قيل ما قيل إن صدقاً وإن كذباً فما اعتذارك من قول إذا قيلا
فبقي هذا الكلام في نفس عائشة إلى بعد حين، وينزع الله ما في صدورهم من غل إخواناً على سرر متقابلين، وكان يستشير صلى الله عليه وسلم حتى تقول عائشة: [[ما رأيت رجلاً سهلاً كرسول الله صلى الله عليه وسلم]].