اللهم لك الحمد خيراً مما نقول، ومثل ما نقول، وفوق ما نقول، عز جاهك، وجل ثناؤك، وتقدست أسماؤك، ولا إله إلا أنت، اللهم صلِّ وسلم على رسولك ونبيك الذي بعثته رحمة للعالمين، صلِّ وسلم على من اجتمعنا على ميراثه وعلى مائدته.
نسينا في ودادك كل غال فأنت اليوم أغلى ما لدينا
نلام على محبتكم ويكفي لنا شرفاً نلام وما علينا
ولما نلقكم لكن شوقاً يذكرنا فكيف إذا التقينا
تسلى الناس بالدنيا وإنا لعمرو الله بعدك ما سلينا
اللهم بلغه منا الصلاة والسلام، واعرض عليه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة المباركة.
اللهم صل عليه دائماً وأبداً؛ كلما بقي في الأرض مسلمون وإسلام، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أمَّا بَعْد:
فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته
معنا لطائف من السيرة وتحف من أخبار أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، نجوم الهداية، ورسل السلام إلى العالم، وكلهم نجوم، وكل واحد منهم نجم يهتدى به.
من تلق منهم تقل لاقيت سيدهم مثل النجوم التي يسري بها الساري
يقول الإمام البخاري رحمه الله في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، وفي كتاب المحاربين، وفي كتاب فضائل الصحابة، يقول رحمه الله: حدثنا موسى بن إسماعيل، قال: حدثنا عبد الواحد، قال: حدثنا معمر، عن الزهري رحمه الله عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس حبر القرآن وترجمانه، رضي الله عنهما قال: [[كنت حججت في آخر حجة حجها عمر رضي الله عنه وأرضاه، قال: وكنت في خيمتي في منى أقرئ الصحابة -أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام من المهاجرين والأنصار- فدخل عليّ عبد الرحمن بن عوف، وكنت أقرئهُ القرآن - عبد الرحمن أحد العشرة المبشرين بالجنة يقرئه ابن عباس القرآن- قال: فلما دخل عليّ قال: يا بن عباس! أما تدري ماذا حدث اليوم؟ قلت: لا والله، قال: إن رجلاً أتى عمر أمير المؤمنين يزعم أنه سمع رجلاً يقول: إذا مات عمر أو قتل بايعت فلاناً بالخلافة، قال: فغضب عمر، وقال: سوف أقوم في أهل منى -الحجاج- وأتكلم فيهم عن هؤلاء الذين يغصبوهم أمورهم، قال عبد الرحمن بن عوف وهو يتكلم مع ابن عباس فقلت لـ عمر: يا أمير المؤمنين! لا تقم في منى، فإن منى فيها الغوغاء وفيها رعاع الناس، وسوف يحملون كلامك على غير محمله، ويطيرون به في الآفاق، ولكن اصبر وتمكن، فإذا رجعت إلى المدينة المنورة، التي هي دار الهجرة، وفيها السنة وأهل الخير ووجوه الناس، فقل ما تشاء أن تقول، وأنت متمكن، قال عمر: إي والله، والله (إن شاء الله) لأقومن أول قدومي على المنبر في المدينة فأخبر الناس بهذا الأمر، قال ابن عباس رضي الله عنهما: فلما رجعنا من تلك الحجة رأيت عمر عند الجمرات، وقد اضطجع على ظهره ورفع يديه -بعدما انتهى من الحج، وقد شاب رأسه، وطال عمره- وقال: [[اللهم إني قد رق عظمي ودنا أجلي، وكثرت رعيتي، اللهم فاقبضني إليك غير مفرط ولا مفتون، ثم قال: اللهم إني أسألك شهادة في سبيلك، وموتة في بلد رسولك]] فأخبروا ابنته حفصة رضي الله عنها وعن أبيها، فقالت: يا أبتاه! أتسأل الشهادة في المدينة؟ قال: إي والله يا بنية! قال: فعاد رضي الله عنه وأرضاه، فلما كان في آخر جمعة -آخر جمعة يصلي فيها عمر بالناس ويقوم فيهم خطيباً- قال ابن عباس: فبكرت بعد أن زاغت الشمس -هذا تبكير عند ابن عباس وهذه رواية البخاري - قال: فلما زاغت الشمس بكرت فأتيت المسجد بجوار سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل أحد العشرة المبشرين بالجنة، قال: فجلست بجانبه وركبتي تصتك في ركبته، فقلت له: ليقولن عمر اليوم كلاماً ما قاله قبل اليوم، فقال سعيد بن زيد: ماذا عساه أن يقول؟ وأنكر عليّ، قال: فرأيت عمر رضي الله عنه وأرضاه أقبل، فصعد المنبر وسلم على الناس، فلما انتهي المؤذن من أذانه، قام عمر آخر قومة قامها في المسلمين فقال: السلام عليكم ورحمة الله بعد أن حمد الله وأثنى عليه قال: أيها الناس! إنه كان فيما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتاب الله حد الثيب المحصن إذا زنى فإنه يرجم، والذي نفسي بيده لقد قرأناها وأقرأناها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان فيما أنزل عليه في الكتاب -أي: في القرآن- (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة) وإني أخشى إذا طال بكم الأمد أن ينكرها قوم فيضلوا، فوالله لقد أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي نفسي بيده لولا أن يقول الناس: زاد عمر في كتاب الله لكتبتها بيدي، ثم قال: أيها الناس! إن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم ولكن أنا عبد الله ورسوله، فقولوا: عبد الله رسوله}.