فالوسط: هم فئة وجدت في الأمة الإسلامية، وهم -إن شاء الله- نحسبهم هؤلاء الحضور بإذنه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وهم الذين يتفقهون في علم الكتاب والسنة، ويعيشون السنة التي أرادها صلى الله عليه وسلم، وإظهارها للناس بمحاسنها ومحامدها.
فلا تظنوا كلامي -والله أعلم بما في القلوب- أنه يدعو إلى التساهل في الأمور، ويدعو إلى عدم الخشية في الصلاة، وإلى عدم التقشف والزهد، فكلٌّ حسيبه الله عز وجل؛ لكننا نتعامل مع الكتاب والسنة، ونقرأ أحوال السلف، حتى أن ابن الجوزي قال: لا تغتر بمن بعد التابعين من الزهاد.
من يقرأ تراجم (حلية الأولياء) لـ أبي نُعيم يظن أن الإسلام معناه: أن تبقى في زاوية تبكي أربعاً وعشرين ساعة، وألا تأكل الطعام.
حتى إن أحد المتصوفة يقول: أين أنتم عني وأنا ما أكلتُ الرُّطَب أربعين سنة؟ والرطب: البلح.
ومن ذا قال له: لا يأكل أربعين سنة، والرسول صلى الله عليه وسلم أكله؟!
ويقول آخر: ما أكلتُ اللحم، ولن آكله.
لا يأكله، ومن أجبره حتى يأكله؟ بل ربما في الآخرة لن يأكل لحماً.
فالمقصود -بارك الله فيكم- أن هؤلاء أمْزِجَة، لكن: نتحاكم عند مَن؟ نتحاكم عند الرسول عليه الصلاة والسلام.
أتى رجل عند الإمام أحمد فقال: يا أبا عبد الله! الزواج خير، أو ترك الزواج أحسن؟ فقال: الزواج أفضل، قال: يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَسَيِّداً وَحَصُوراً} [آل عمران:39] أي: يمدحه بأنه لم يتزوج، يا إمام، إبراهيم بن أدهم ما تزوج، قال الإمام أحمد: أُوَّة؟ بمعنى: أنه يُحاكمه إلى إبراهيم بن أدهم، أحد الزهاد؟! رجعنا إلى بنيات الطريق، والرسول عليه الصلاة والسلام أكثر الأمة زوجات، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً} [الرعد:38].
فالتحاكم إلى رسول الهدى عليه الصلاة والسلام.
وأنا أحببتُ أن أخبر بهذا، وإلا فإنني أعلم أن من الدعاة من يوجهون المسيرة، وقد نبَّه بعض العلماء في مناسبات عن هذه المسائل، حتى نُظْهِرَ الإسلامَ في قوة، ونُظْهِرَه في عَظَمَة.
الإمام مالك يلبس بُرْدَة بخمسمائة دينار، فقالوا له: لماذا؟ فقال: لأُظْهِر عَظَمَة الإسلام.
وذكر صاحب طبقات الحنابلة، وعودوا إليه في المجلد الثالث، في ترجمة أبي إسماعيل الهروي، قال: كان يلبس اللباس العجيب، فقيل له: لماذا؟ قال: أريد أن أظهر عظمة (لا إله إلا الله)؛ لأن النصارى والخواجات إذا رأونا في هذه الملابس قالوا: هذا هو الإسلام الذي أتى به محمد صلى الله عليه وسلم؟
فلذلك أنا أدعو نفسي وإياكم إلى تمعُّن هذا الأمر، وهو ليس بالأمر الذي يخفى على مثلكم؛ لكن وُجِدَ من يسيء فهمه في بعض المجتمعات.
أسأل الله لي ولكم القبول والتوفيق والهداية.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.