في الصحيحين: من حديث أبي هريرة، وهذا مرَّ معنا؛ لكن لا بأس:
أعِدْ ذِكْرَ نعمان لنا إن ذكرَه كما المسك ما كررتَه يتضوَّعُ
قال أبو هريرة: كلفني صلى الله عليه وسلم أن أحرس الزكاة -وقيل: الصدقة، وأكثر ما تُسْتَخْدَم الزكاة في الكتاب والسنة: الصدقة، أي: بلفظ الصدقة- قال: فذهبتُ في مَرْبد -هذا المربد كالحَوش أو كالجَرِين- فوقف أبو هريرة -إنسان فقير من دَوْس- أتى إلى مكة، لا ولد له، ولا زوجة، ولا أم، ولم تأت زوجته وأمه إلا فيما بعد؛ لكن قبلها أتى فقيراً، حتى إنه من الجوع كان يصرع بين المنبر وبين بيت الرسول صلى الله عليه وسلم، فيُظَن أنه صرع من الجان، فيأتي أحد الأنصار يبرك على صدره، ويقرأ عليه المعوذات.
يقول: [[وما بي جنون، ما بي إلا الجوع]].
فكان صلى الله عليه وسلم يجعله في هذه المهمات ليعطيه شيئاً من الأكل، أو يأكل هو بنفسه؛ لأنه إذا حرس جَرِيْناً ملآن بالتمر، فلا بد أن يتعشى من هذا التمر -بحفظ الله ورعايته- أو بشيء من الحب، أو بشيء من الطعام -قال: {فجعلني صلى الله عليه وسلم حارساً، فأتيت تلك الليلة، فأتاني شيخ كبير -الشيطان تمثل بصورة شيخ- فأتى فقرَّب كيسَه -حتى الشيطان عنده كيس- وأخذ يحثو من الطعام- سواء كان تمراً أو حباً، قال: فقبضتُ وقلت: لأرفعنك إلى الرسول عليه الصلاة والسلام.
قال: عندي عيال، وأنا فقير، وأنا مسكين.
قال أبو هريرة: فرحمتُه، فتركتُه، فأتيتُ الصباح.
فقال عليه الصلاة والسلام -رغم أنه ما حضر القصة؛ لكن انظر إلى المعجزة- قال: ما فعل أسيرك البارحة يا أبا هريرة؟
قلتُ: يا رسول الله! شكا إليَّ حاجة وعَيْلة، فرحمتُه فتركتُه.
قال: كذَبَكَ وسوف يعود.
قال: فرَصَدْتُه لعلمي بما قال عليه الصلاة والسلام، فأتى فأخذ يحثو، فقلتُ: والله لأرفعنك إلى الرسول عليه الصلاة والسلام.
قال: أنا محتاج، وذو عيال، فاتركني، وأخذ يدعو فتركه.
وفي الصباح قال صلى الله عليه وسلم: ماذا فعل أسيرك البارحة يا أبا هريرة؟
فأخبرتُه، قال: كَذَبَك وسوف يعود.
وأتيت في اليوم الثالث -وثالث ضربة دائماً لا بد أن ينتهي عليها الأمر- فقال: عندي عيال، وأنا شيخ كبير، وأنا مسكين، قلتُ: والله لأرفعنك، وأخذتُ بتلابيب ثيابه.
قال: اتركني أعلِّمك شيئاً إذا أمسيتَ وقلتَه لا يقربُك شيطان -وكان أبو هريرة أحرص على الخير- قال: قل: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة:255] قلها إذا أمسيتَ وإذا أصبحتَ لا يقربك شيطان، فتركتُه وذهبَ، فلما أتيتُ في الصباح، قال صلى الله عليه وسلم: ما فعل أسيرك؟
قلتُ: يا رسول الله كَيْتَ وكَيْتَ، وعلمني آية، قال: ماذا علمك؟
قال: علمني: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة:255] قال الرسول صلى الله عليه وسلم: صَدَقَك وهو كَذُوب} أما هذه المرة فقد صدق مع أنه دائماً كذوب؛ هذه من مواقف الجن.