إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، ربنا إننا سمعنا منادياً ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا، ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا ممع الأبرار.
أمَّا بَعْد:
أيها الجمع الكريم! سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
لا يزال العبد المسلم يجدد إيمانه في مجالس العلم، كلما جلس مجلساً غفر الله له ذنبه، ورفع عنه كربه، ورفع درجته عنده سُبحَانَهُ وَتَعَالى.
وتجديد الإيمان إنما يحصل بمدارسة الكتاب والسنة التي أنزلت على الرسول صلى الله عليه وسلم.
وفي هذا الجلسة المباركة -بإذن الله- العطرة بحديث حبيب الله، التي تَتَضَوَّع مسكاً -إن شاء الله- بما قدمه محمد عليه أفضل الصلاة والسلام للبشرية.
معنا في هذه الجلسة: حديث في صحيح مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه.
قال علقمة -وهو تلميذ من تلاميذ ابن مسعود الكبار، ومن أصحابه الأخيار-: قلنا لـ عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه: {هل كان أحدٌ منكم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن؟ قال ابن مسعود رضي الله عنه: لا.
تخلف عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من الليالي، فخفنا أن يكون اسْتُطِيْرَ أو اغْتِيْلَ، فذهبنا نبحث عنه حتى الصباح، فوجدناه قد أتى من نحو غار حراء، فقلنا: يا رسول الله! أين كنتَ؟ قال: لقيتُ الجن، وقرأت عليهم القرآن، وسألوني الزاد، فأعطيتهم وقلت: لكم كل عظم أوفر ما يكون طعاماً لكم، ولكم كل بعرة أوفر ما تكون طعاماً لدوابكم} هذا الحديث في صحيح مسلم.
ومجمل القصة أن أحد تلاميذ ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه، وهو علقمة قال لـ ابن مسعود الصحابي الجليل من أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام: (هل كان أحدٌ منكم) أي: من الصحابة، (مع الرسول عليه الصلاة والسلام ليلة الجن؟ قال: لا).
يثبت هنا ابن مسعود أنه لم يكن أحد من أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام معه ليلة الجن، ثم يقول ابن مسعود: (تخلف عنا عليه الصلاة والسلام، فخفنا أن يكون اسْتُطِيْرَ) أي: أتاه شيءٌ طار به، (أو اغْتِيْلَ): أصابته غيلة عليه الصلاة والسلام وقتل بخفية، قال: (فبحثنا عنه، فوجدناه في الصباح أقبل من نحو غار حراء، فلما لقيناه قلنا له: أين كنتَ؟) فأجابهم عليه أفضل الصلاة والسلام: (أنه لقي الجن، وقرأ عليهم القرآن، وأنهم سألوه الزاد) الحديث.
في هذا الحديث قضايا ومسائل:
المسألة الأولى: هل الجن خلق من الخلق لهم حقيقة؟ لأن من المفسرين من نفى حقيقة الجن، أعني: المُحْدَثين من أهل التفسير.
المسألة الثانية: هل الجني يتلبس بالإنسي حقيقة، ويدخل فيه، ويصرعه؟
المسألة الثالثة: هل من الجن مؤمنون وكافرون؟
المسألة الرابعة: هل أرسل الله من الجن رسلاً، كما أرسَل من الإنس؟
المسالة الخامسة: هل يدخل الجن الجنة؟ أم أن لهم جنة أخرى؟ وكيف يتنعمون؟
المسألة السادسة: كم لقي الرسول صلى الله عليه وسلم الجن، مرة، أم مرتين، أم أكثر من مرة؟
المسألة السابعة: ما هو طعام الجن؟ وما هو طعام دوابهم؟
المسألة الثامنة: هل حضر ابن مسعود ليلة الجن؟ لأن الترمذي روى في سننه: أن ابن مسعود قال: {كنتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن، فقال لي عليه الصلاة والسلام: يا ابن مسعود! هل معك ماء أتوضأ به؟ قال: يا رسول الله! ليس معي ماء، عندي إداوَةٌ -وهي: القِرْبة الصغيرة- فيها نبيذ، قال عليه الصلاة والسلام: ثمرة طيبة، وماء طهور، فتوضأ بالنبيذ} والنبيذ: هو ما يُمْرَس من التمر أو العنب أو نحو ذلك.
والإشكال هنا: كيف يروي الترمذي هذا الحديث، وفي صحيح مسلم أن ابن مسعود قال: {ما كان أحدٌ منا معه عليه الصلاة والسلام} هذا سوف يأتي إن شاء الله.
المسألة التاسعة: هل الشيطان من الجن؟
قال تعالى: {كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} [الكهف:50].
المسألة العاشرة: ما هي الحروز العشرة التي من أدركها وقام بها، حفظه الله ظاهراً وباطناً من شياطين الجن والإنس، هذه الحروز العشرة، كل حرز منها كفيل -بإذن الله- أن يحفظك في ليلك ونهارك.