أبو ذر والمال المدخر

قبل ما يقارب عشرين سنة جاء أتباع المجرم استالين -كما تعرفون- وقد كون دولته من قبل في عهد لينين، وأتوا بحثوا ونقروا في الإسلام ليجدوا ولو رأي عالم يوافقهم في رأيهم الاشتراكي في الاقتصاد، فوجدوا أن أبا ذر يوافقهم، فألفوا كتاباً روسياً، وعليه أبو ذر على الكتاب المجلد: شيخ كبير، باللغة الروسية ويحمل عصا، وما على رأسه شيء، وقالوا: زعيم الاشتراكية في العالم: أبو ذر، والسبب في ذلك أنه رضي الله عنه وأرضاه فهم قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التوبة:34] قال: ما دام أن الله تهدد من كنز الذهب والفضة، إذن فلا يحل لك، ولا يجوز لك أن تدخر شيئاً من المال أبداً، يعني على رأي أبي ذر إذا جاءك آخر الشهر راتب، وأنفقت وأعطيت أطفالك للمدرسة، واشتريت لهم الدفاتر والخبز والطعام، فما بقي فوزعه في الناس، وهذا مذهب الاشتراكية وهو خطأ وقد خطأه الصحابة، وقالوا: لا، المقصد زك مالك زك ذهبك، زك فضتك، لأنك إذا زكيته فليس بكنز، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول مرة: {أتؤدين زكاته؟ قالت: نعم، قال: فليس بكنز} فالمال الذي تزكيه ليس بكنز، ففهم أبو ذر رضي الله عنه وأرضاه أن المال يوم يُدَّخَر سواء زُكِّي، أو لم يزك أنه حرام، بل يشاع في الناس، فتلقفوا هذه الكلمة، وحيوا أبا ذر، وترى خالد محمد خالد في كتاب: رجال حول الرسول، وهو لا يزال حياً، وهو مفكر مصري -كما تعرفون- وفيه خير كثير، لكنه كان يؤمن بـ المادية الجدلية، وكان فيه لوثة، ثم هداه الله، وكتبت عنه مجلة المجتمع قبل أكثر من اثني عشرة سنة، ومجدته بعودته إلى الله، لكنه لدغ بكلمة في ترجمة أبي ذر في كتاب" رجال حول الرسول " حتى يقول: أظن الكادحين يؤيدون أبا ذر -كلمة الكادحين أتت من موسكو - في بعض البلاد العربية دخلت الشيوعية، كان الناس مسترزقين، وكانوا يقطفون الأعناب، ويصيدون الأسماك، ويشتغلون، والشعب يتحرك، وكانوا في رخاء، فأتت الشيوعية تحت مظلة نصرة المستضعفين والكادحين فنادت: يا شعوب الأرض، يا مستضعفي الأرض توحدوا، فلما أتوا سلخوا أموال الأغنياء، وتركوا الفقراء بلا عمل، وأغلقت دور الرعاية، ودور الأيدي العاملة، وما وجد الناس حقولاً للعمل، فجلسوا في بيوتهم.

حج أحدهم في مكة، فقابله أحد العلماء، قال: كيف وضع الكادحين في بلادكم؟ قال: القائم بطحوه، والتاجر كدحوه، وهذا هو المنهج، فإنها تفلس، ولذلك لما أتى جرباتشوف قال: أفلست الشيوعية أصبحت فقيرة، فصارت الدول العربية تعطيها الأموال وروسيا دولة عظمى في عالم العسكرية عندها قوات تدمر العالم، لكنها في عالم الاقتصاد منهارة تماماً، أصبحت الدول العربية تمد روسيا الآن بالملايين، وأوروبا أرسلت لها ما يقارب ألف مليون دولار غير الحقوق لتنقذ الشعب، نظامهم: أنا أشتغل إلى آخر الشهر وأنت نائم في البيت ثم تأخذ راتبي، أعمل في البطاطس، فإذا أنتجت قاسمتني الثمرة، ففي أي شريعة أو أي عقل، وفي أي منهج في الحياة {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة:44] {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:50] {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} [النساء:82] فأتى الآن جرباتشوف وعارضهم.

وفي كتاب: البروسترويكا يعني: إعادة بناء الاشتراكية، أعاد بناءه، وقال: هذه الاشتراكية لا تصلح، ولكن ما عنده وقت، ويخاف أن يزحزحوه، وبدأت الجمهوريات الإسلامية تنفصل كما علمت، وسوف تبقى الجمهورية الأصل روسيا فحسب، وبعد سنوات سوف تصبح روسيا مثل بقية الدول ليست عظمى، والآن ألمانيا تجتازها بخطوات وفرنسا، وهذا لا يهمنا في شيء، ولكن صاحبنا أتى بنظرية أخطأ فيها، ونقول: غفر الله له، وما نقصت من قدره، وليس معصوماً، والصحابي قد يخطئ، والعالم قد يزل في مسألة، ومع ذلك يبقى محترماً شريفاً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015