ومن علاماتهم: نسيان الله, يذكرون كل شيء إلا الله, ولذلك تجد الواحد منهم يذكر كل شيء، أهله وأطفاله والأغاني والأماني والعواني وكل شيء في الحياة الدنيا إلا ذكر الله فلا يمر على قلبه إلا غروراً, وهذا قلبه قد مات.
من يهن يسهل الهوان عليه ما لجرح بميت إيلام
فنسيان الله من أعظم ما ابتلي به المنافقون: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} [التوبة:67] وقال سبحانه: {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ} [المجادلة:19] قال الغزالي صاحب الإحياء: من أحب شيئاً أكثر من ذكره, ولذلك إذا دخل أهل المهن وأهل الصنائع في قصر أو في بيت ذكر كل إنسان منهم صنعته ونظر إليها, وذكرها وأحبها.
تجد النجار إذا دخل البيت ينظر إلى الخشب وإلى النوافذ, وتجد المُليس ينظر إلى البويات وما في أحكامها, إذا علم هذا؛ فإن من أحب شيئاً أكثر من ذكره، ومحب الله عز وجل مكثر من ذكره, وأما المنافق فأبغض ما عند الله، فقلل من ذكر الله ونسي الله فنسيه الله.
معنى نسيهم الله سبحانه: أي: تركهم, وفي القرآن صفات على المقابلة، كقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} [البقرة:15] فهل يسمى الله مستهزئاً؟
لا يسمى مستهزئاً إلا على القيد -كما ذكر ذلك ابن تيمية وغيره- يقيد بأنه يستهزئ بمن يستهزئ به, كقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ} [التوبة:79] يثبت لهم سخرية, وهو له سخرية سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بمن سخر منهم, وكقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ} [الأنفال:30] أي: يمكر بمن يمكر به, هذه تثبت مقيدة, لكن الصفات النقصية المطردة لا نقولها.
ولذلك يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ} [الأنفال:71] لم يقل: خانهم, لأنه الخيانة ليت مقيدة ولا مطلقة، إنما هي مذمومة وصفة نقص, فقال: {فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ} [الأنفال:71] أما (سخر) فتأتي مقيدة, مثل: نسي بمعنى: الترك, لأن النسيان صفة النقص، والله لا ينسى سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.