Q سمعنا من فضيلتكم أن الفتوى خطيرة وكيف أن عمر بن الخطاب إذا سئل عن مسألة جمع لها أهل بدر؟ وفي زماننا هذا نرى أن أكثر من يدعون العلم يتسرعون في الفتوى وبقولهم: هذا حلال وهذا حرام دونما تمهل، فنرجو أن توضح لنا طريقاً سليماً نسلكه في فتوانا؟
صلى الله عليه وسلم يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ} [النحل:116].
والناس في الفتيا علىجانبين ووسط؛ فأناس يتطرفون في جانب الفتيا حيث يفتون في كل شيء وفيما لا يعرفون، ليس عندهم سؤال صعب.
وطرف آخر بلغ به الورع البارد إلى أن يقول: الله ورسوله أعلم حتى في البديهيات، كم يتمضمض المسلم؟ قال: الله أعلم.
كم أركان الإسلام؟ قال: الله أعلم! أين يستقبل المصلي؟ قال: الله أعلم! فهذا ورعع بارد أضر بالإسلام.
والحكمة التوسط، من أجاد مسألة، وعرف دليلها؛ فليفتِ على بركة الله: {دعها فإن معها سقاءها وحذاءها ترد الماء، وترعى الشجر، حتى يلقاها ربها} والذي لا يعرف يقول: لا أدري، قالوا لـ علي بن أبي طالب وسألوه سؤالاً، قال: [["لا أدري" ما أبردها على قلبي، سئلت عما لا أدري فقلت: لا أدري]].
وسئل ابن عمر في ثمان مسائل، وقال: [[لا أدري، قال أعرابي: أذهب إلى الناس، وأقول: إن ابن عمر لا يدري؟! قال: اذهب إلى من عرفت وقل: إن ابن عمر لا يحسن شيئاً]] والإمام مالك عرضت عليه أربعون مسألة، فأجاب في ثمان، وقال في اثنتين وثلاثين مسألة: لا أدري.
وقال الشعبي: [[لا أدري نصف العلم]] ومن لا يستخدم كلمة: لا أدري؛ فقد أصيبت مقاتله، وإذا أراد الإنسان أن يفتي؛ فليتذكر الله عز وجل والعرض بين يديه، وليعرف أنه سوف يحلل الفروج أو يحرمها، والدماء أو الأموال، ولذلك قال ابن القيم: "المفتون هم الموقعون عن رب العالمين سُبحَانَهُ وَتَعَالَى".
وللفتيا آداب منها: أن يستحضر عظمة الله ثم يخلص له، ومنها: أن يستغفر كثيراً، ومنها: أن يسأل العون من الله، ومنها: أن يتلبث مع السائل ويراجع المسألة، ومنها: إذا كان في المسائل أقوال ألا يوردها، لكنه يرجح ويحقق لأن إيراد الأقوال على الناس لا ينفع، مثلاً جاء عامي يسأل عن مسألة فيقال له: قال مالك، لكن أبو حنيفة قال كذا، أما الشافعي فرأى كذا، ولكن أحمد رأى كذا وكذا، وابن حزم يخالف، هذه حيص بيص، ويخرج كما دخل:
تكاثرت الظباء على خراش فما يدري خراش ما يصيد
قال ابن تيمية: "من عرض الأقوال للناس بدون ترجيح، فهو كالمتشبع بما لم يعط"، فهو يظهر أن عنده حفظاً أقوى، لكنه ما رجح، لا في دليل ولا في سير، والتحقيق العلمي ذكر الآيات إن كان هناك آيات، أو الحديث صحة وضعفاً، والحديث إن كان منسوخاً أو ناسخاً، ثم أقوال العلماء، ثم الترجيح في آخر المسألة.