أيها الإخوة، إن خلاصة هذه المحاضرة يمكن أن نلخصها في ثلاثة أمور:
أولها: لا دعوة إلا بعلم، ومن زعم أنه يدعو الناس بلا علم، أفسد أكثر مما أصلح.
ثانيها: أن من توقف عن الدعوة لكي يكون حبراً من الأحبار في العلم فقد أخطأ، بل يدعو بما عنده من العلم، ولا يزيد على ما عنده من العلم، بل هو في الآية عالم فيها، جاهل في غيرها، فيدعو بهذه الآية كما قال صلى الله عليه وسلم: {بلغوا عني ولو آية}.
ثالثها: أننا نؤمن بالتخصص، ونصنف الناس على حسب تخصصاتهم، فحق على القائمين على الدعوة والجامعات، من أساتذة وعمداء ومدراء الجامعات، أن يصنفوا نتاجهم للناس من باحث خبير، ومن كاتب صحفي، ومتكلم على المنبر، ومن مفت للناس لتنهض الأمة الإسلامية ثم أعود فأقول: "إن العلم أيها الأبرار أفضل من أي نافلة أخرى"، وقد هون بعض الناس من فضل العلم الشرعي، وقالوا: لمن يقرأ الكتاب في البيت زاد نسخة في البلد، فأماتوا العلم بهذا.
لا والله ما زاد نسخة في البلد؛ بل والله زاد عالماً جليلاً، وحبراً مفيداً نافعاً، وأما الذين يهونون من جانب العلم فهم عجزوا عن طلب العلم فهونوا من شأنه.
ثم أنبه أيها الإخوة، إلى أنه وجد في الساحة وفي الصحوة أناس يعيشون على الفكر، ويصبحون على الفكر، أصبحنا وأصبح الفكر لله، وأمسينا وأمسى الفكر لله، فكر وإنشاء، وهذا الفكر كالبالونات، التي تأتي من تايوان، فتنفجر بالجو، ليس فيها طعام ولا شراب ولا غذاء: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ} [البقرة:18] وأمة تعيش على الفكر ليست بأمة، ونحن أمة علم {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد:19] والعلم طلبه فريضة، فعلينا أن نعود إلى العلم الشرعي.
إن الأخبار والوقائع التي تقع في حوادث الناس تسمى كما سماه ابن تيمية الماجريات؛ هذه الأخبار ليست بعلم، والذي يأخذ أخبار الناس يقرؤها ليس عالماً، هو مثقف، يعرف أخبار الناس، فندعو أنفسنا وإياكم إلى العلم الشرعي، وأن ندعو الناس على بصيرة، وأن نجدد مسيرة الأمة.
كان عبد الحميد بن باديس داعية الجزائر وعالمها يعلم الناس، يريد أن يثور على الفرنسيين؛ فرأى الناس جهلة، قال: "لن ننتصر على فرنسا ما دمنا جهلة، إننا لن ننتصر على العدو إلا بالعلم والإيمان"، فأسس الحلقات، ووزع الدعاة، وأقام الندوات، وتعلم الناس؛ فدكوا فرنسا الطاغية، فأمة بلا علم أمة جهل وضلالة وخرافة.
أسال الله لي ولكم التوفيق، وإن نقص شيء فإنها علالة مغترب، وقيد في جيد، وحسبك من القلادة ما أحاط بالعنق.
فإن تجد عيباً فسد الخللا فجل من لا عيب فيه وعلا
من ذا الذي سوى الرسول كامل أو جمعت لغيره الفضائل
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.